ارتفاع معدلات التسول بالمغرب يثير القلق ويدعو إلى تبني حلول عملية

في ظل الأرقام المقلقة التي كشف عنها وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، تتجلى أمامنا صورة حقيقية لظاهرة التسول التي باتت تشكل تحديا اجتماعيا وقضائيا متفاقما في المغرب، حيث بلغ عدد المتسولين المسجلين في عام 2007 حوالي 200,000 شخص، فيما تمّت في 2020 محاكمة وإدانة أكثر من 6,500 فرد بتهمة التسول، ما يؤكد عمق الأزمة وامتدادها في المجتمع المغربي.

ولم يعد التسول مجرد حالة اجتماعية تقليدية، بل تحول إلى ظاهرة متطورة في عصر الرقمية، ما أطلق عليها الوزير تسمية “المتسولين 2.0″، الذين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي والتقنيات الرقمية لنشر قصص كاذبة واستغلال عواطف الجمهور لجمع الأموال عبر حسابات غير شفافة، ما يضاعف الضرر ويجعل هذه الممارسات تجاوزا للقانون وخيانة للأهداف الإنسانية النبيلة.

وفي مواجهة هذه الظاهرة، لم يكتف وزير العدل بتقديم تشخيص دقيق للمشكلة، بل أعلن عن سلسلة من الإجراءات والإصلاحات الجذرية التي تسعى إلى تعزيز منظومة العدالة والحماية الاجتماعية في المغرب.

من بين هذه المبادرات مشروع قانون لإنشاء وكالة وطنية لحماية الطفولة، وتهيئة بنية تحتية قضائية متطورة تشمل بناء 77 مبنى قضائيًا جديدًا، مع إحداث مئات المناصب المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات لتطوير أداء المحاكم.

كما حدد الوزير ملف الأراضي غير المسجلة كمجال آخر يتطلب تدخلا حازما، معلنًا عن اتفاق مع خبراء المساحة لتضمين عقود الملكية برموز QR تتيح تتبع الأراضي وتحديد حدودها بدقة، وهو ما يعد خطوة حاسمة في مكافحة التلاعب العقاري وغسيل الأموال.

يبقى جوهر الخطاب الوزاري هو رفض تحويل الفقر إلى مهنة، ورفض استغلال مشاعر الناس تحت غطاء التسول، سواء في الواقع أو في الفضاء الرقمي. فالظاهرة، التي كانت في السابق مجرد مأساة اجتماعية، تحولت اليوم إلى نشاط إجرامي يتطلب استجابة قانونية وحازمة.

إن الأرقام والمبادرات التي عرضها وزير العدل تعكس إدراكا حقيقيا للأبعاد الاجتماعية والقضائية لهذه القضية، وتؤكد ضرورة تكاتف جهود المؤسسات الأمنية والقضائية والاجتماعية للقضاء على هذه الظاهرة التي تهدد النسيج الاجتماعي والقيم الإنسانية.

يظل التحدي الأكبر هو كيفية تحقيق توازن بين حماية الفئات الهشة وتطبيق القانون بصرامة، لضمان مجتمع أكثر عدلاً وإنسانية، يرفض التسول بكل أشكاله، ويعزز ثقافة العمل والكرامة، وهو ما يتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني والمواطنين جميعا، من أجل مستقبل أفضل للمغرب.

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 665

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *