أطلقت المفتشية العامة للمالية عمليات تدقيق موسعة تستهدف عددا من الصفقات العمومية العالقة، التي تعذر تصفيتها منذ سنوات بسبب غياب محاضر “تسلم نهائي” سليمة قانونيا، وهو ما عطل صرف مستحقات مالية مهمة لشركات ومقاولين نفذوا مشاريع لفائدة مؤسسات ومقاولات عمومية.
وأفادت مصادر صحفية اليوم، أن الخزنة المؤدين رفضوا التأشير على تحويل الاعتمادات لصالح الشركات المعنية، بسبب محاضر تسلّم مشوبة بعيوب، أبرزها نقص توقيعات أعضاء لجان المعاينة نتيجة التنقيلات الإدارية أو الإحالة على التقاعد، ما تسبب في رفع وثائق غير مكتملة قانونيًا.
وأكدت مصادر مطلعة أن هذا التعثر لا يعفي المؤسسات العمومية من مسؤوليتها، بل يعد خللا في تدبير الملفات التعاقدية، خاصة أن التأخر في إنجاز المحاضر النهائية يعطل المساطر المالية، ويُدخل المقاولات في دوامة من التظلمات والتأخيرات التي تهدد استقرارها المالي.
وتركز التحقيقات الجارية على الصفقات المقسمة إلى أشطر، التي تم تحرير محاضر تسلم مؤقت بشأنها، لكنها تعثرت في مرحلة الإغلاق النهائي، ما جعلها في وضعية قانونية ومالية غامضة، رغم أن بعض المقاولين أنجزوا أشغالهم كاملة، وفق ما هو منصوص عليه في دفاتر التحملات.
وامتدت التحقيقات إلى المسؤولين عن تدبير الطلبيات العمومية ومصالح المشتريات لدى الجهات المعنية، حيث طُلب منهم تقديم مستندات تفصيلية عن مراحل إنجاز المشاريع، بما في ذلك محاضر المعاينة والتتبع المرحلي، وسط تسجيل غياب وثائق أساسية في بعض الملفات.
وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن وزارة الاقتصاد والمالية تعتزم اعتماد حل عملي لتصفية هذه الملفات، من خلال توجيه الخزنة المؤدّين إلى قبول محاضر تسلم نهائي جديدة، يتم تحريرها بتاريخ لاحق، تشير صراحة إلى حدوث عملية التسلم الفعلي رغم العيوب الشكلية السابقة، وذلك بشرط احترام الإشهاد ومطابقة الأعمال المنجزة.
هذا التوجه يهدف إلى حماية حقوق المقاولين الذين أوفوا بالتزاماتهم، وفي الوقت نفسه ضمان احترام الضوابط القانونية دون الدخول في مساطر قضائية معقدة أو خسارة مالية للطرفين.
الفترة الأخيرة شهدت تناميا في التظلمات المرفوعة إلى وزارة المالية، واللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، ومؤسسة الوسيط، من قبل مقاولين يطالبون بتصفية مستحقاتهم المالية العالقة، خصوصًا في قطاعات حيوية كالبنيات التحتية، والطرقات، والإنارة، والتجهيزات.
وتفيد المعطيات أن بعض المقاولين توصلوا بمراسلات مفاجئة حول نواقص في الأشغال أو جودة المعدات، رغم حصولهم على محاضر تسلّم مؤقت منذ سنوات، مما يثير شبهات سوء التنسيق أو ضعف التتبع الإداري للمشاريع.
ويرجح أن تشكل نتائج هذه التحقيقات مرجعية لإعداد دوريات وزارية جديدة تنظم بصرامة أكبر إجراءات التسلم وتسوية المستحقات، مع إعادة تأهيل لجان المعاينة وتحديد مسؤوليات دقيقة لتفادي التداخلات أو التملص الإداري الذي يضر بالثقة في التعاقد العمومي.
وفي انتظار استكمال التقارير الرسمية، تبقى المقاولات المتضررة في وضعية حرجة، علما أن التأخير في صرف مستحقاتها لا يضر فقط بها، بل يعطل دينامية الاستثمار والإنجاز ويؤثر على مهنية تدبير المال العام في المؤسسات العمومية.