سوس ماسة ومهاجرو إفريقيا: حين تصبح خلايا الجماعة مفتاحًا للاندماج والتعايش

تحوّل المغرب خلال السنوات الأخيرة من بلد عبور إلى بلد استقبال للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة بعد تبنيه سياسة وطنية للهجرة واللجوء ذات بُعد إنساني وتنموي. ومع أن هذه السياسة مكّنت من تسوية أوضاع الآلاف، فإن الواقع على الأرض لا يزال يطرح تحديات معقدة، خصوصًا في الجهات التي تعرف توافدًا كبيرًا للمهاجرين، مثل جهة سوس ماسة.

في هذه الجهة، التي تُعد محطة جذب رئيسية بسبب النشاط الفلاحي وكثرة الأوراش، يظهر بشكل لافت غياب التأطير المؤسساتي الكفيل بضمان اندماج المهاجرين في محيطهم الجديد، وتفادي بروز توترات اجتماعية متكررة. وهنا تبرز الحاجة المُلحة إلى إحداث خلايا يقظة داخل الجماعات الترابية، كآلية عملية لمواكبة أوضاع المهاجرين والاستجابة السريعة للإشكالات المطروحة.

جهة سوس ماسة: الهشاشة والتوتر في ظل غياب التأطير
يشتغل عدد كبير من المهاجرين في الضيعات الفلاحية والأنشطة غير المهيكلة بأجور زهيدة ودون حماية اجتماعية، كما يتوزعون بشكل غير منظم على مناطق مثل آيت عميرة، القليعة، وسيدي بيبي. ومع غياب سياسات محلية حقيقية لمواكبة هذه الفئة، تتزايد مظاهر التوتر بين بعض أفراد الجالية والسكان المحليين، سواء في الفضاءات العامة أو عند تقاطع المصالح الاقتصادية والاجتماعية.

وفي هذا السياق، أصبح من الواضح أن المقاربات الأمنية وحدها غير كافية، بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية في غياب مقاربات ميدانية تعتمد القرب، والإنصات، والتدخل الاستباقي.

خلايا اليقظة: مدخل أساسي لمعالجة الاختلالات
إحداث خلايا يقظة داخل الجماعات الترابية لم يعد ترفًا إداريًا، بل ضرورة تنموية وأمنية واجتماعية. فهذه الخلايا يمكن أن تلعب أدوارًا متعددة، منها:

رصد وتتبع أوضاع المهاجرين بشكل دوري، اجتماعيًا واقتصاديًا وسكنيًا.

رصد مؤشرات التوتر الاجتماعي والتدخل السريع عبر وسطاء ومجتمع مدني محلي.

اقتراح حلول واقعية للإدماج في ضوء معطيات كل جماعة ترابية على حدة.

تنسيق الجهود بين الفاعلين: سلطات محلية، جمعيات، فاعلين اقتصاديين، ومؤسسات عمومية.

إعداد تقارير دورية ترفع إلى الجهات الإقليمية والوطنية لدعم اتخاذ القرار المناسب.

إن هذه الخلايا، إذا ما أُنشئت بشكل منظم ومهيكل، قادرة على أن تكون عينًا ساهرة على التماسك الاجتماعي داخل تراب الجماعة، وعلى تحويل الهجرة من عبء إلى فرصة تنموية حقيقية.

ضرورة إدماج المهاجرين ضمن رؤية محلية شاملة
جهة سوس، التي تعرف تنوعًا سكانيًا متزايدًا، تحتاج إلى تبني رؤية متكاملة لإدماج المهاجرين، تدمج بين الجانب الحقوقي والاقتصادي والثقافي، دون إغفال التحديات الأمنية. ولا يمكن لهذه الرؤية أن ترى النور دون أدوات عملية من قبيل:

التكوين المهني لفائدة المهاجرين في مجالات تتماشى مع حاجيات سوق الشغل المحلي.

تنظيم حملات توعية لمناهضة الصور النمطية والعنصرية، وتكريس ثقافة التعايش.

إشراك المهاجرين في الأنشطة الثقافية والرياضية والجمعوية.

ضمان الولوج العادل للخدمات (الصحة، التعليم، السكن) بشكل منصف.

التوزيع الجغرافي المتوازن لتفادي التكدس في أحياء أو تجمعات معزولة.

 لا إدماج دون يقظة محلية
إن إدماج المهاجرين في المغرب، وخاصة في جهة سوس ماسة، لا يمكن أن يُبنى على قرارات مركزية فقط، بل يتطلب دينامية محلية قوية ومستمرة، يكون عنوانها الأول هو خلايا يقظة جماعية قادرة على الاستشراف، والمواكبة، والإنصات، والتدخل عند الحاجة.

فالمهاجر ليس غريبًا، بل شريك محتمل في التنمية، شرط أن يجد من يصغي إليه، ويؤطره، ويصون كرامته. وإذا أُحسن تدبير هذا الملف من الجذور، يمكن أن تتحول جهة سوس إلى نموذج وطني في التعايش والاندماج، عوض أن تبقى ساحة مفتوحة للتوترات والإقصاء المتبادل.

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬014

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *