يعتبر الشاي واحدا من أكثر المشروبات استهلاكا في المغرب، ويمثل جزءا لا يتجزأ من الثقافة والتقاليد اليومية للمغاربة، ومع ذلك، يثير واقع استيراد كميات ضخمة من الشاي الصيني تساؤلات جدية حول مدى استغلال الإمكانات المحلية وفعالية السياسات الاقتصادية الزراعية للمملكة.
في عام 2024، استورد المغرب ما يقارب 80,600 طن من الشاي الصيني، بزيادة تقارب 35% عن العام السابق، بتكلفة إجمالية تجاوزت 243 مليون دولار. رقم يعكس مدى اعتماد السوق المغربي على واردات هذا المنتج، رغم أن المناخ في مناطق واسعة من المغرب، مثل الأطلس المتوسط والكبير ومنطقة الحوز، يمتاز بخصائص مناخية مشابهة لتلك التي تُزرع فيها شجيرات الشاي في الصين.
هذه المفارقة تحمل في طياتها أسئلة جوهرية: لماذا يستمر المغرب في استيراد كميات ضخمة من الشاي من الخارج، في حين أن لديه القدرة الطبيعية على زراعته محليًا؟ وهل يعود ذلك إلى نقص الاستثمارات الزراعية، ضعف الخطط التنموية، أو عوامل أخرى تتعلق بالتنظيم والتمويل؟.
الاقتصاد المغربي يشهد تطورا مستمرا في مجالات متعددة، لكن ملف الزراعة المستدامة وتنمية الإنتاج المحلي ما يزال بحاجة إلى رؤية واضحة وخطط استراتيجية تمكن من استغلال الموارد الطبيعية وتلبية الطلب الداخلي. الاستثمار في زراعة الشاي محليًا لن يقلل فقط من فاتورة الاستيراد الضخمة، بل سيساهم أيضا في خلق فرص عمل جديدة، تعزيز التنمية الريفية، وتنويع مصادر الدخل في المناطق الجبلية.
من جهة أخرى، الاعتماد الكبير على الاستيراد يجعل السوق المغربي عرضة لتقلبات الأسعار العالمية والتغيرات في السياسات التجارية للدول المصدرة، ما ينعكس سلبًا على أسعار المنتج النهائي للمستهلك المغربي.
في ظل هذا الواقع، تبدو الحاجة ملحة لإعادة النظر في السياسات الزراعية الوطنية وتوجيهها نحو تشجيع الاستثمار في زراعة الشاي. كما يتطلب الأمر تعزيز البحث العلمي وتطوير أصناف شاي متكيفة مع المناخ المغربي، إضافة إلى بناء سلسلة إنتاج متكاملة تضمن الجودة والتنافسية.
إن المغرب يملك مقومات طبيعية وبشرية تؤهله لأن يصبح منتجا وطنيا رائدا للشاي، لكن تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية قوية، تخطيطًا استراتيجيا، واستثمارا مستداما. الاستمرار في استيراد كميات هائلة من الشاي الصيني يعكس تفويت فرصة ذهبية لتنمية قطاع زراعي واعد يضيف قيمة اقتصادية واجتماعية حقيقية للبلاد.