تشهد الأيام الأخيرة تنامي ظاهرة النصب والاحتيال التي تستهدف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي في المغرب، وذلك عبر مكالمات هاتفية مجهولة المصدر ينتحل فيها المتصلون صفة موظفين بمؤسسات رسمية. وتفيد شهادات عدد من الضحايا بأن هؤلاء المحتالين يتذرعون بعمليات تحديث بيانات أو صرف دفعات مالية جديدة، ليطلبوا معطيات شخصية أو بنكية يتم استغلالها لاحقاً لسحب المبالغ المالية، مما يؤدي إلى حرمان المستفيدين منها، لاسيما في صفوف الفئات الهشة بعدد من المدن والمناطق القروية.
ورغم اعتماد أسلوب قديم في النصب، إلا أن المحتالين باتوا أكثر براعة في تنفيذ هذه العمليات، من خلال استخدام لغة إدارية محكمة واستعمال أسماء مؤسسات معروفة، وأحيانًا أرقام هاتفية تظهر على أنها صادرة عن جهات رسمية، ما يزيد من قابلية الضحايا لتصديق المكالمة، خاصة في ظل محدودية الثقافة الرقمية.
وفي هذا الصدد، قال الخبير في الأمن السيبراني محمد شريفي، في تصريح لدوزيم، إن المحتالين يستخدمون ثلاث طرق رئيسية لخداع الضحايا: أولها انتحال صفة موظف بنك أو شركة اتصالات، حيث يتم إيهام الضحية بوجود عملية مشبوهة تستدعي إرسال رقم التحقق السري (OTP)، ما يمكن الجاني من الولوج إلى الحسابات البنكية أو المحافظ الإلكترونية. الطريقة الثانية تتمثل في تقديم وعود بجوائز أو منح وهمية، حيث يُطلب من الضحية دفع “رسوم إدارية” قبل استلام تعويض غير موجود أصلا. أما الطريقة الثالثة فهي إخفاء هوية المتصل عبر تقنيات تجعل المكالمة تبدو محلية، مما يصعّب على السلطات تتبعها.
ويعتمد الجناة، بحسب شريفي، على الضغط والتخويف لحمل الضحية على اتخاذ قرارات سريعة، مثل التهديد بتجميد الحساب البنكي، ما يقلل من فرص التحقق من صحة الاتصال. كما يركزون بشكل خاص على الفئات الهشة اجتماعيا، كالأرامل والأسر المستفيدة من برامج “تيسير” أو “راميد”، مستغلين محدودية التعليم والأمية الرقمية، التي لا تزال تؤثر على نحو ربع المغاربة حسب إحصائيات 2024، لاسيما النساء وسكان القرى.
الاعتماد الواسع على الهواتف الذكية كوسيلة اتصال شبه وحيدة، خاصة في المناطق القروية، إلى جانب ضعف الولوج إلى الإنترنت لدى كبار السن، يجعل فئات واسعة عرضة للاستدراج بسهولة من قبل هذه الشبكات الاحتيالية.
ورغم اتساع نطاق الظاهرة، لا تزال جهود التوعية محدودة وغير منتظمة، إذ تسجل ملاحظات حول ضعف الحملات الإعلامية الموجهة لتحذير المواطنين، وغياب رسائل توعوية مستمرة باللغات واللهجات المتداولة. كما أن الإجراءات القانونية، رغم أهميتها، غالباً ما تأتي متأخرة بسبب استخدام المحتالين لشرائح مجهولة الهوية.
ويشدد محمد شريفي على أهمية إطلاق حملات دائمة ومبسطة للتوعية، تشارك فيها وسائل الإعلام والجمعيات المحلية، بلغة قريبة من المواطن، موضحا أن تجربة بنك المغرب في حملات “عدم مشاركة رقم OTP” خلال سنة 2024 ساهمت في تقليص نسب الاحتيال الإلكتروني. ويؤكد أن نشر الوعي الرقمي بشكل متكرر، وبلغة واضحة، قادر على خلق “مناعة مجتمعية” تحد من فعالية هذه الممارسات الإجرامية.