في الوقت الذي دعا فيه رئيس مجلس جهة سوس ماسة إلى إعادة ترتيب الأولويات التنموية خلال افتتاح أشغال الدورة العادية لشهر يوليوز 2025، عاد إلى واجهة النقاش العمومي سؤال كبير يتعلّق بتوزيع الموارد المالية، بعد أن صادق المجلس على مجموعة من الاتفاقيات والمشاريع الحيوية، بينما ما زال مستمرًا في دعم عدد من المهرجانات، بما فيها تلك المنظمة بإقليم اشتوكة آيت باها، وسط سياق مالي دقيق يتطلب الحكامة في الإنفاق العمومي.
رئيس الجهة أقرّ بصراحة أن الظرفية تقتضي “مقاربة مرنة وتشاركية في التخطيط”، خصوصًا في ظل الالتزامات الجديدة المنبثقة عن المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة، والتي رصد لها غلاف مالي يُقدّر بـ1.05 مليار درهم. وهو ما دفع بالمجلس إلى اللجوء إلى قرض ضخم يبلغ 363 مليون درهم من صندوق التجهيز الجماعي لتمويل مشاريع تدبير النقل الحضري، بالإضافة إلى تخصيص 40 مليون درهم للصحة والعمل الاجتماعي، و42 مليون درهم لتقوية شبكة الماء الشروب.
ورغم أهمية هذه المشاريع، لم يغب عن المتتبعين استمرار المجلس في تخصيص اعتمادات لدعم المهرجانات الثقافية والفنية المحلية، من ضمنها تلك التي تنظم في اشتوكة آيت باها. ورغم ما يروّج له مسؤولو الجهة من أن هذه التظاهرات تندرج ضمن دعم الثقافة والتنشيط الترابي والسياحي، فإن توجيه المال العمومي إلى مهرجانات موسمية يثير أكثر من علامة استفهام، خاصة حين يكون ذلك بالتزامن مع اللجوء إلى الاقتراض من أجل تمويل أولويات أساسية كالصحة والنقل والماء.
هذا التناقض أصبح مادة للنقاش بين عدد من الفاعلين والناشطين المحليين، ممن يرون أن من حق الساكنة أن تتساءل: هل يجب أن تستمر الجهة في دعم مهرجانات تستنزف ميزانيات في وقت تعاني فيه دواوير من العطش والتهميش؟ وهل يعقل أن تُموَّل أنشطة احتفالية، بينما تتم تعبئة القروض من أجل خدمات أساسية؟
وفي المقابل، يعتبر المدافعون عن هذا الدعم أن المهرجانات، وخصوصًا تلك التي تنظم بإقليم اشتوكة آيت باها، لها أثر تنشيطي وسياحي وترفيهي مهم، وتُشكل رافعة لتثمين التراث المحلي وإبراز التنوع الثقافي. غير أن هذا التبرير، بحسب مراقبين، لا يصمد أمام واقع الفوارق الاجتماعية والمجالية التي تتطلب إعادة توجيه الأولويات نحو ما هو ضروري وملحّ، لاسيما في ظل موجات الجفاف والخصاص الحاد في الماء والبنيات.
ومن جهة أخرى، شملت أشغال الدورة ملفات تنموية حساسة، من بينها مشاريع تتعلق بتأهيل مطار طاطا، وتوسيع شبكة الكهرباء بدواوير تاويالت بإقليم تارودانت، وتزويد أيت باها بالماء من محطة التحلية، إضافة إلى إنشاء معهد للعمل الاجتماعي، وتمويل قوافل طبية متنقلة لفائدة ساكنة المناطق النائية، ودعم ولوج أبناء الفئات الهشة إلى مهن الطب.
هي مشاريع تلامس فعليًا أولويات التنمية الترابية وتنسجم مع التوجيهات الملكية، لكن في ظل كل هذه الالتزامات الثقيلة، يبدو دعم المهرجانات بمثابة “ترف مالي” يعاكس المنطق الاقتصادي للمرحلة، ويستدعي إعادة نظر شاملة في هندسة النفقات الجهوية.
وفي ختام الدورة، ثمّن رئيس الجهة دعم والي جهة سوس ماسة ومواكبته الدائمة لمشاريع المجلس، مؤكدًا أن نجاح النموذج التنموي الجهوي لن يكون ممكنًا دون انخراط كل الأطراف المعنية، وفق رؤية متماسكة مع تطلعات الساكنة تحت القيادة الملكية الرشيدة.
لكن، وفي انتظار تنزيل هذه الرؤية، تظل إعادة ترتيب الأولويات مسألة ملحة، تستوجب الحسم: هل ما نحتاجه الآن هو مهرجانات أم ماء وكهرباء وخدمات صحية؟