في ظل تصاعد مقلق لحوادث السير خلال سنة 2024 وبداية 2025، كشفت الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (NARSA)، يوم الإثنين، عن خطة صيفية استثنائية تهدف إلى كبح هذا المنحى الخطير، خاصة خلال أشهر الصيف التي تُسجَّل فيها عادة نسب مرتفعة من الحوادث.
جاء ذلك خلال ندوة صحفية عقدها المدير العام للوكالة، بناصر بولعجول، حيث قدّم عرضًا مفصلًا حول تطور مؤشرات السلامة الطرقية، معلنًا عن سلسلة من الإجراءات الوقائية والرقابية، في إطار ما وصفه بـ”الرد الحازم” على الأرقام المفزعة.
كشف بولعجول أن سنة 2024 سجلت ارتفاعًا عامًا في مختلف فئات حوادث السير مقارنة بسنة 2023. فقد بلغت الإصابات الطفيفة 192,406 حالة (+14.77%)، فيما ارتفعت الإصابات الخطيرة إلى 14,718 حالة (+25.95%)، أما عدد القتلى فبلغ 4,024 وفاة، بزيادة قدرها 5.37%.
وما يزيد من خطورة الوضع، أن المؤشرات الأولية لسنة 2025 تؤكد استمرار التدهور، حيث تم تسجيل 1,624 وفاة خلال الأشهر الخمسة الأولى فقط، بزيادة مقلقة بلغت 20.9%، فضلًا عن ارتفاع الإصابات الخطيرة بـ21.3%، والطفيفة بـ13.8%.
وركز المدير العام لنارسا على فئة مستعملي الدراجات الثنائية والثلاثية العجلات، والتي وصفها بـ”الأكثر هشاشة”، حيث شكّلت حوالي 43.19% من قتلى الطرقات سنة 2024. وقد شهدت هذه الفئة ارتفاعًا في عدد الوفيات بنسبة 63.04% خلال العقد الأخير.
وعزا بولعجول هذا الوضع إلى عدة عوامل، أبرزها ضعف استعمال الخوذات، وخرق قانون السير، خاصة في ما يتعلق بعدم احترام إشارات المرور والسرعة. كما أشار إلى أن 78% من مخالفات الضوء الأحمر التي تم رصدها عبر الرادارات الثابتة تعود لسائقي هذه الدراجات.
أما فئة الراجلين، فما تزال تسجّل أرقامًا مقلقة، تفوق 1,000 قتيل سنويًا، حوالي 600 منهم داخل المجال الحضري، ما يستدعي – حسب بولعجول – تدخلاً سريعًا لحماية هؤلاء عبر تكثيف التوعية، وإعادة الاعتبار لممرات الراجلين وقواعد الأسبقية.
وفي مواجهة هذا الوضع، أعلنت “نارسا” عن إطلاق برنامج صيفي خاص يمتد من يوليوز إلى شتنبر 2025، يتمحور حول مراقبة مشددة للسرعة والسلوكيات الخطيرة، باستخدام رادارات محمولة وثابتة وأجهزة قياس حديثة، وتعزيز الرقابة في المجال الحضري، خاصة على سائقي الدراجات والنقل العمومي، وتحسين الاستجابة لحوادث السير، بتعبئة فرق طبية ووقاية مدنية في المحاور الطرقية الخطيرة، وحملات توعية واسعة، تشمل إنتاج مواد سمعية بصرية وتنظيم “قرى السلامة الطرقية” في ثماني مدن كبرى.
إلى جانب التدابير الميدانية، أعلنت نارسا عن حزمة إجراءات هيكلية تشمل تشديد المراقبة على الخوذات والدراجات النارية، وضبط المعايير التقنية، واستخدام الكاميرات في الطرق الحضرية والسيارة لرصد المخالفات، وربط تسوية الغرامات بالولوج إلى بعض الخدمات الإدارية، كتحويل ملكية العربات أو أداء الضرائب، وإحداث لجنة لليقظة ونظام تتبع دوري لتقييم النتائج وتعديل الخطط حسب الحاجة، ومواكبة قضائية من النيابة العامة عبر إصدار دوريات لضمان تطبيق صارم للقانون، ومراقبة صارمة لسوق توزيع الدراجات النارية وضمان التزام الفاعلين بالمعايير القانونية.
وفي ختام عرضه، شدّد بولعجول على أن هذه الخطة تعبّر عن “تحوّل نوعي” في مقاربة السلامة الطرقية، معتبرًا أن النجاح في تقليص حوادث السير لا يمكن أن يتحقق دون تعبئة جماعية، تضمّ كافة الفاعلين: سلطات، مهنيين، مواطنين، ووسائل الإعلام.