يمثل تحديث مدونة السير خطوة إيجابية نحو إصلاح متوازن، حيث يتم الجمع بين ضمان حقوق المهنيين، وتطوير آليات الرقابة، وترسيخ ثقافة السلامة الطرقية، وهو ما يخدم مصالح الجميع دون استثناء.
الرباط – في خطوة تهدف إلى تحقيق توازن أكثر عدالة وفعالية في قطاع النقل، قدمت وزارة النقل تعديلات جديدة على مدونة السير، وهو ما أثار نقاشًا واسعًا بين الفاعلين المهنيين. وبينما يروّج البعض لفكرة أن هذه التعديلات تمثل “تراجعًا” عن مبادئ السلامة الطرقية، تؤكد المعطيات الرسمية أن التحديثات المقترحة تستجيب لمتطلبات الواقع العملي دون المساس بالضوابط الأساسية لضمان سلامة المواطنين.
إصلاح يراعي واقع السائقين دون الإخلال بالسلامة
إحدى النقاط التي أثارت الجدل تتعلق بمراجعة العقوبات الخاصة بتجاوز المدة القصوى للسياقة وعدم احترام فترات الراحة، حيث تم تعديلها لتقتصر على الغرامة المالية بدلًا من سحب رخصة السياقة. ويرى المدافعون عن هذا التوجه أن العقوبة السابقة كانت مجحفة بحق السائقين المهنيين، إذ تؤدي إلى تعطيلهم عن العمل وفقدان مصدر رزقهم، رغم أن التجاوز في كثير من الأحيان يكون ناتجًا عن ضغط أرباب العمل وظروف القطاع، وليس بسبب استهتار السائقين أنفسهم.
وبدلًا من الاكتفاء بسياسة العقاب القاسي، تتجه الوزارة نحو تعزيز المراقبة الميدانية واعتماد حلول أكثر توازناً، تراعي حقوق المهنيين وتضمن في الوقت ذاته احترام قواعد السياقة الآمنة. فالردع لا يكون فقط بسحب الرخصة، بل عبر آليات رقابة أكثر تطورًا وإجراءات عملية تعزز من التزام الجميع بالضوابط القانونية.
مقاربة تشاركية ومسار إصلاحي متواصل
على عكس ما تم الترويج له، لم يتم إقصاء الهيئات المهنية من مناقشة التعديلات، بل فتحت الوزارة باب التعليق العمومي عبر الأمانة العامة للحكومة، في خطوة غير مسبوقة من الشفافية والتشاور. وهذا يثبت أن الوزارة لا تتخذ قرارات انفرادية، بل تسعى إلى تحقيق التوازن بين تطلعات جميع الأطراف المعنية، بمن فيهم السائقون المهنيون والمشغلون والجهات الرقابية.
كما أن التعديلات الجديدة لا تلغي الرقابة على أجهزة قياس السرعة أو تسجيل أوقات السياقة والراحة، بل تعيد صياغة العقوبات بشكل يتناسب مع المخالفة نفسها، مما يمنع أي استغلال للعقوبات الزجرية كوسيلة للإجهاز على حقوق السائقين.
تحديث ضروري لضمان عدالة أكبر
مدونة السير ليست نصًا جامدًا، بل يجب أن تتطور مع متغيرات قطاع النقل، خصوصًا مع ظهور تحديات جديدة تتطلب مقاربات حديثة. لهذا، فإن هذه التعديلات لا تعني التراجع عن السلامة الطرقية، بل بالعكس، تهدف إلى إرساء نظام أكثر عدالة وإنصافًا للسائقين دون التفريط في مبادئ السلامة المرورية.
فبدلًا من التركيز على العقوبات القاسية فقط، يجب أن يكون النقاش منصبًا على كيفية تحسين ظروف عمل السائقين، وتعزيز الوعي المهني، وتشجيع الاستثمار في تكنولوجيات السلامة، وهي الجوانب التي تسعى الوزارة إلى تعزيزها ضمن رؤيتها الجديدة.
A.Bout