ابن أحمد.. بين هول الجريمة وعاصفة التشهير: الساكنة تستنكر وحقوقيون يدقّون ناقوس التنمر الجماعي

خلّفت واقعة العثور على أطراف بشرية بمدينة ابن أحمد، يوم الأحد 20 أبريل 2025، صدمة عميقة في نفوس ساكنة المنطقة، وتفاعلاً واسعا على الصعيدين الشعبي والإعلامي، غير أن تداعيات الجريمة سرعان ما تحوّلت من صدمة جماعية إلى موجة إساءة جماعية طالت ساكنة المدينة بأكملها، وسط تنامي حملات التشهير والتنمر على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما خلّف استياءً عارماً في أوساط الحقوقيين والفعاليات المدنية.

وبينما تتواصل الأبحاث الأمنية لفك خيوط الجريمة الغامضة، تصاعدت في المقابل موجة تهويل إعلامي واتهامات جماعية لسكان المدينة، وصلت إلى حد نعوت جارحة وصور نمطية مهينة، تُحمّل ساكنة ابن أحمد مسؤولية فعل إجرامي فردي، وتُربط الجريمة بانتماء جغرافي بشكل تعسفي.

حملة تشهير وتضليل إعلامي
محمد علالي، ناشط حقوقي وجمعوي من أبناء المدينة، استنكر في تصريح صحافي حجم التهويل الإعلامي والتشهير غير المهني الذي طال الساكنة، مؤكداً أن البعض استغل الواقعة لصناعة “البُوز” على حساب مشاعر سكان المدينة، مستدرجين مواطنين عاديين لتصريحات عفوية تم تضخيمها وتوظيفها خارج سياقها.

وأشار إلى أن “أبناء ابن أحمد وجدوا أنفسهم وسط حملة تمييزية شعواء تمسّ كرامتهم وتعمّق جراحهم”، مؤكدا أن من واجب الإعلام نقل الحقيقة لا التحامل أو تغذية الصور النمطية.

ودعا علالي الجهات الرسمية إلى مراجعة تمثلاتها عن المنطقة، والالتفات إلى التهميش التاريخي الذي تعرضت له رغم ما قدمته من تضحيات لصالح الوطن، مشدداً على ضرورة النهوض بالتنمية في المدينة ورفع الحيف المجالي عنها.

بين التنمر والبحث عن “البُوز”
من جهته، قال هشام أودادس، نائب رئيس فرع الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان بابن أحمد، إن “بعض المنابر الصحفية ومواقع التواصل الاجتماعي انزلقت نحو خطاب التشويه، عبر استهداف مواطنين من ذوي الثقافة المحدودة بأسئلة استدراجية لنشر محتوى يحقق نسب مشاهدة عالية، دون احترام للقيم أو للواقع المحلي”.

وأكد أودادس أن المدينة تحتفظ بتماسكها المجتمعي وأصالتها، وأن ما وقع “لا يمكن أن يشكل وصمة في جبين مدينة بأكملها”، مطالبًا بتدخل المجلس الوطني للصحافة وهيئات تقنين المحتوى الرقمي للتصدي لهذا النوع من الاستغلال الإعلامي الممنهج.

أستاذ علم الاجتماع يحذر من التعميم
مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، نبه إلى خطورة ربط الجرائم بالانتماء الجغرافي، معتبراً ذلك سلوكاً ساذجاً لا يستند إلى تفسير علمي للظاهرة الإجرامية، بل يغذّي الصور النمطية ويقود إلى نتائج مدمرة في العلاقات الاجتماعية.

وأوضح السعليتي أن الجريمة فعل فردي يجب تحليله من منظور سيكولوجي وسوسيولوجي، بعيدا عن التعميم أو التصنيف الوهمي، مشيراً إلى أن مثل هذا الخطاب “لا يختلف عن ربط الجريمة بالدين أو العرق في بلدان أخرى”.

دعوات للتعقّل والاحترام
في خضم هذه الحملة، تعالت أصوات أبناء المنطقة وفعالياتها المجتمعية، مطالبة بتغليب صوت الحكمة والتعقل، واحترام مشاعر الساكنة التي تعيش صدمة الفاجعة. كما ناشدوا وسائل الإعلام التحلي بالمهنية، ونبذ خطاب التشهير والتنمر الذي يعمق الفجوة بين الإعلام والمجتمع.

ويبقى الرهان اليوم، وفق الفاعلين المحليين، على القضاء الذي يباشر تحقيقاته في الواقعة، وعلى الإعلام النزيه الذي يضع الحقيقة والإنصاف فوق منطق السبق والربح السهل، من أجل طي صفحة التشويه وإنصاف مدينةٍ لطالما قاومت التهميش بعزة وصبر.

 

 

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬308

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *