سوق بيوكرى بين أمطار موسمية واختلالات متراكمة: من المسؤول عن صورة “البرك المائية”؟

أعادت التساقطات المطرية الأخيرة إلى الواجهة وضعية عدد من المرافق العمومية بعدة جماعات بإقليم اشتوكة آيت باها، وفي مقدمتها سوق بيوكرى الأسبوعي، الذي تحوّل بفعل تجمع المياه والأوحال إلى مشهد غير لائق أثار موجة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، وفتح نقاشاً واسعاً حول المسؤوليات وحدودها.
الصورة المتداولة للسوق، بما تحمله من دلالات، لا يمكن إنكارها ولا تبريرها، فهي تعكس معاناة حقيقية للتجار والمرتفقين، وتمس بكرامة فضاء يفترض أن يكون منظماً وآمناً. غير أن ربط هذا الوضع مباشرة بتعيين العامل الجديد للإقليم، الذي لم يمض على توليه مهامه سوى سبعة أشهر، يطرح إشكالاً في منطق التقييم والإنصاف.
من المعروف أن مثل هذه الاختلالات ليست وليدة اليوم أو الأمس، بل هي نتيجة سنوات من التسيير الترابي غير المتوازن، وضعف الاستثمار في البنيات التحتية الأساسية، وعلى رأسها شبكات تصريف مياه الأمطار وتهيئة الأسواق الأسبوعية، وهي اختصاصات تدخل أساساً ضمن صلاحيات الجماعات الترابية المنتخبة، التي تتوفر على ميزانيات وبرامج تنموية يفترض أن تعالج مثل هذه الإشكالات.
منذ تعيينه، باشر عامل إقليم اشتوكة آيت باها جولات ميدانية شملت مختلف الجماعات الترابية بالإقليم، في محاولة لتشخيص الإكراهات والوقوف على مكامن الخلل، وهو ما يشهد به الفاعلون المحليون، غير أن التشخيص، مهما كان دقيقاً، لا يتحول إلى حلول فورية بين عشية وضحاها، خاصة عندما يتعلق الأمر بمشاريع تتطلب برمجة مالية، ومساطر إدارية، وصفقات عمومية وآجالاً قانونية.
في المقابل، يبقى من حق الساكنة التعبير عن غضبها ورفضها للوضع القائم، خاصة في ظل ظروف مناخية تزيد من حدة المعاناة، لكن الخلط بين المسؤوليات الإدارية والمنتخبة قد يُفرغ النقاش من مضمونه الحقيقي، ويُبعد الأنظار عن الفاعل المباشر الذي يملك سلطة القرار والتنفيذ على مستوى السوق، وهو المجلس الجماعي.
إن المرحلة الحالية تقتضي أكثر من تبادل الاتهامات، بل تستدعي تضافر جهود الجميع:
جماعات مطالبة بتحمل مسؤولياتها الكاملة في تهيئة الأسواق والمرافق العمومية،
سلطة إقليمية تمارس دورها في التتبع والتنسيق والتسريع،
ومجتمع مدني وإعلام محلي يضغط في اتجاه الحلول، لا الاكتفاء برصد الأعطاب.
سوق بيوكرى ليس حالة معزولة، بل نموذج لإشكال بنيوي تعاني منه عدة جماعات، والحل لا يكمن في البحث عن “مسؤول جديد” لتحميله أخطاء الماضي، بل في فتح نقاش جدي حول الحكامة الترابية، وربط المسؤولية بالمحاسبة وفق الاختصاص والزمن.
فالإصلاح الحقيقي لا يقاس بعدد الأشهر، بل بوضوح الرؤية، واستمرارية الفعل، وصدق الإرادة في القطع مع تسيير عشوائي دفع المواطن ثمنه لسنوات.

الأخبار ذات الصلة

1 من 56

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *