تشهد الكواليس السياسية والإدارية بإقليم اشتوكة آيت باها حالة ترقّب غير مسبوقة، بعد تداول معطيات قوية تفيد بأن وزارة الداخلية تستعد لاتخاذ قرارات حازمة في حق عدد من رؤساء الجماعات المحلية الذين وُرّطوا في شبهات تبديد أموال عمومية وهدر ملايين الدراهم في مشاريع لم تُنجز أو أُنجزت بطريقة عشوائية.
وبحسب مصادر متطابقة، فقد توصل الوزير عبد الوافي لفتيت بتقارير مفصّلة من لجان تفتيش مركزية، ترصد اختلالات مالية وتدبيرية جسيمة، ما جعله يقرر التعامل معها بـ“حزم وصرامة”، استعدادًا لإطلاق ما يشبه “زلزالاً إدارياً جديداً” في عدد من الجماعات الترابية، خصوصًا تلك التي تحوّلت إلى بؤر للفوضى وتبادل الاتهامات بين المنتخبين.
اشتوكة على صفيح ساخن
في إقليم اشتوكة آيت باها، تعيش الساكنة على وقع انتظار إعلان قرارات تأديبية أو توقيفات محتملة في حق بعض المنتخبين الذين وُصِفوا بأنهم “عاثوا فساداً في الأرض”، بعدما تحوّلت بعض الجماعات إلى إقطاعيات صغيرة تتحكم فيها المصالح الخاصة على حساب التنمية المحلية.
وتشير المعطيات المتداولة إلى أن بعض المسؤولين الجماعيين أنشؤوا شركات بأسماء زوجاتهم وأصهارهم، لتفوز هذه الشركات بالصفقات العمومية بطريقة “ملتوية”، عبر سندات طلبٍ تُفصّل على المقاس، وتشمل موادّ غذائية “فاخرة” مثل العسل والزيت و«أملو»، وهي المنتجات نفسها التي تتخصص فيها تعاونيات وشركات تابعة لهم أو لمقرّبين منهم.
في المقابل، يتحدث متتبعون عن منتخبين آخرين يعيشون وضعية تنازع المصالح بشكل صارخ، حيث يجمعون بين مواقع القرار ومنافع مالية مباشرة من مشاريع عمومية، في خرق واضح للقانون التنظيمي للجماعات الترابية.
الغياب الذي لا يُحاسَب
من بين مظاهر العبث التي فجّرتها التقارير، وجود أعضاء جماعيين غائبين منذ سنوات عن دورات المجلس، ومع ذلك يتلقون تعويضات مالية منتظمة من المال العام، في ظل تواطؤ بعض الرؤساء الذين يغضّون الطرف عن هذا الوضع مقابل الولاء السياسي أو الدعم في القرارات الحساسة.
وتكشف هذه المعطيات عن ثغرات خطيرة في آليات الرقابة المحلية، وتطرح سؤالًا جديًا حول مدى نجاعة اللجان الإقليمية في تتبّع تنفيذ المشاريع التي تُعلن عنها المجالس المنتخبة.
لفتيت يلوّح بالعقوبات… والمجالس في مرمى المحاسبة
مصادر متطابقة تؤكد أن وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت وجّه تعليمات صريحة إلى الولاة والعمال بضرورة تسريع معالجة الملفات العالقة وإحالة المتورطين على القضاء أو المجالس التأديبية، مشدّدًا على أن “مرحلة التساهل انتهت، والمحاسبة قادمة”.
ويأتي ذلك في وقتٍ تتصاعد فيه مطالب المجتمع المدني بافتحاص شامل لمالية الجماعات الترابية، خصوصًا تلك التي لم تُقدّم تقارير مفصّلة عن صفقاتها ومصاريفها رغم مرور سنوات على مشاريع لم تُنجز بعد.
ساعة الحقيقة تقترب
يبدو أن “الزلزال الإداري” الذي يُتداول في كواليس وزارة الداخلية قد يضرب قريبًا بعض الجماعات بإقليم اشتوكة آيت باها، ليكشف حجم الفساد المالي والتدبيري الذي ظلّ يتغذى من ضعف الرقابة وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة خلال السنوات الماضية
وبينما تترقّب الساكنة نتائج هذا التحقيق الموسّع، يراهن كثيرون على أن تكون القرارات القادمة بمثابة نقطة تحول في مسار تدبير الشأن المحلي، حتى لا تبقى المنتخبات والمنتخبون فوق القانون، ولا تظل التنمية رهينة لمصالح ضيقة وأسماء متكرّرة.
“الناس ينتظرون زلزالًا يحرّر الجماعات من قبضة الفساد… لأن ما يحدث اليوم لم يعد مجرد اختلالات، بل إهانة للثقة التي وضعها المواطن في مؤسساته المنتخبة.”














