مأساة آيت عميرة: متى تتوقف شاحنات الموت عن حصد أرواح عمالنا؟

مرة أخرى، يدفع العمال الزراعيون في منطقة آيت عميرة الثمن الأغلى مقابل لقمة العيش، فصباح اليوم الأحد تحولت رحلتهم اليومية إلى العمل إلى فاجعة حقيقية، بعد أن اصطدمت الشاحنة الصغيرة التي تقلّهم بسيارة خفيفة، ليسقط قتيلان و16 مصابًا. لم يكن هذا الحادث مجرد “حادث سير” عادي، بل هو مرآة تعكس واقعًا مريرًا ومخفيًا يواجهه آلاف العمال والعاملات يوميًا: النقل غير الآمن وغير الإنساني.

لم تكن السيدتان اللتان لقيتا حتفهما في عين المكان، ولا الجرحى الذين هرعوا إلى المستشفى، سوى ضحايا نظام نقل مهترئ يفتقر لأبسط معايير السلامة. ففي كل صباح، تتكدس أعداد كبيرة من العمال في شاحنات مكشوفة، أشبه بعربات نقل الماشية، معرضين حياتهم للخطر في كل منعطف وزاوية. هذا المشهد المأساوي ليس غريبًا على أهل المنطقة، فهو يتكرر يوميًا أمام أعين الجميع، ومع ذلك، يستمر الصمت المطبق وكأن أرواح هؤلاء الأبرياء لا تهم.

ما حدث في آيت عميرة ليس حالة فردية، بل هو حلقة في سلسلة من الحوادث الدامية التي تكرس فكرة أن حياة العمال الزراعيين في المناطق النائية هي مجرد رقم يمكن التضحية به من أجل تحقيق الأرباح. إن التهور البشري من بعض السائقين، ونقص البنية التحتية، وضعف المراقبة، كلها عوامل تضافرت لتخلق بيئة خصبة للحوادث، لكن العامل الأكبر يبقى هو الإهمال المنظم والتقصير في توفير وسائل نقل لائقة وآمنة لهذه الفئة.

إن ما نحتاجه الآن ليس مجرد التعاطف أو الإحصاءات الجديدة للضحايا، بل نحتاج إلى تحرك عاجل وفعلي من قبل الجهات المسؤولة. يجب أن تتوقف هذه المأساة المتكررة. يجب أن تكون هناك قوانين صارمة لضمان سلامة النقل، وأن يتم تطبيقها بجدية دون تهاون. كما يجب توعية العمال بحقوقهم، ومراقبة الشركات المشغلة لضمان التزامها بالمعايير الإنسانية.

إن أرواح هؤلاء العمال هي مسؤولية جماعية، ومأساة آيت عميرة هي جرس إنذار آخر يدعونا جميعًا إلى التفكير في هذا الواقع غير الإنساني. فمتى ستتوقف شاحنات الموت عن حصد أرواح من يبنون اقتصادنا بجهدهم وعرقهم؟

A.Bout

الأخبار ذات الصلة

1 من 38

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *