لم يكن المشهد السياسي في جماعة أيت عميرة يحتاج إلى المزيد من التوتر، لكن بياناً نارياً صادراً عن تنسيقية حزب التجمع الوطني للأحرار بالمنطقة، نسفَ كل محاولات التهدئة، وكشف عن حرب أجنحة طاحنة تدور خلف أسوار المجلس الجماعي. البيان، الذي جاء كرد صريح وقاسٍ على بيان تضامني سابق لرئيس المجلس، لم يكتفِ برفض موقف الرئيس، بل ذهب إلى حد وصفه بـ”الانحراف الخطير”، معلناً عن موقف حزبي مغاير تماماً.
القصة بدأت بعد صدور حكم قضائي ابتدائي قضى بتجريد النائب الأول للرئيس، السيد لحسن أقديم، من عضويته. وعلى إثر ذلك، سارع رئيس المجلس إلى إصدار بيان تضامني باسم “الأغلبية المسيرة”، وهو ما اعتبره البعض خطوة لامتصاص الغضب وتأكيد وحدة الصف. لكن رد “الأحرار” جاء كالصاعقة، حيث اعتبر البيان التضامني بمثابة “انطلاقة خطيرة في تدبير شؤون المجلس، وخروج عن جادة الصواب”، مؤكداً أن القضية “شأن تنظيمي حزبي محض” لا يحق لرئيس المجلس أن يقحم فيه المؤسسة الجماعية.
البيان المثير للجدل لم يترك تفصيلة إلا وتناولها. فهو يؤكد أن القضية لا تزال معروضة على القضاء، وأن الكلمة الفصل تعود له وحده. كما يكشف عن تفاجؤ أعضاء من الحزب نفسه ببيان الرئيس، مشدداً على أنهم لم تتم استشارتهم، وأن هذا الموقف “الانفرادي” لا يمثلهم. وهذا الجزء تحديداً هو ما يعري حجم الانشقاق الداخلي، ويثبت أن “الأغلبية” لم تعد كتلة متراصة، بل مجموعة من الفصائل التي لا تتواصل فيما بينها.
البيان الصادر عن تنسيقية “الأحرار” يحمل في طياته دلالات عميقة. فهو يؤكد أن التحالف الذي شكل الأغلبية بعد انتخابات 2021 كان مبنياً على “تحالف وتنازلات تكوينية”، وأن الرئيس قد خرق هذا التفاهم ببيانه الأخير. وهذا يعكس أن الصراع ليس مجرد خلاف حول شخص أو قضية، بل هو نزاع حول أسس التحالف نفسه، ومن يملك حق التحدث باسمه.
ببساطة، ما يجري في أيت عميرة ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو “انفجار” سياسي مدوٍّ يهدد بانهيار الأغلبية المسيرة. فبينما يحاول جناح الرئيس تأكيد التضامن والتماسك، يقوم جناح آخر من داخل نفس البيت السياسي بنسف هذا الموقف، ويعيد رسم الحدود السياسية على مرأى ومسمع الجميع. هذا الوضع يضع استقرار المجلس على المحك، ويطرح تساؤلات حول قدرته على مواجهة التحديات المحلية في ظل صراعات داخلية قد تعيق أي تقدم. في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة، يترقب الشارع بايت عميرة بشغف من ستكون له الغلبة في هذا الصراع، ومن سيحمل “قنبلة” سياسية جديدة قد تعيد خلط الأوراق بالكامل.