تستمر بعض الجماعات باقليم اشتوكة ايت باها، وخاصة في المناطق الفقيرة، في تنظيم مهرجانات صاخبة تُصرف عليها ميزانيات ضخمة، في وقت تعيش فيه الساكنة على وقع خصاص حاد في أبسط مقومات العيش الكريم، من ماء شروب، وطرق مهيأة، وبنيات تحتية أساسية. هذا التناقض الصارخ يطرح علامات استفهام كبرى حول أولويات المنتخبين، ويكشف عن اختيارات لا تنسجم مع حاجيات المواطنين ولا مع واقعهم اليومي.
إن أغلب ساكنة هذه المناطق هم أناس بسطاء، يحبون الفن ويعبرون عن امتنانهم لرؤية بعض الفنانين المشهورين الذين يُستقدَمون لإحياء حفلات محلية. وهنا يظهر ما يمكن تسميته بـ”الذكاء السياسي” لبعض الرؤساء الذين يعجزون عن تحقيق التنمية أو إيجاد حلول للأزمات التي تتخبط فيها جماعاتهم، فيلجؤون إلى استغلال البعد الفني لإلهاء الناس وكسب رضاهم المؤقت.
وخير دليل على هذا التناقض ما وقع بإحدى الجماعات ، حيث يعيش المواطنون أزمة عطش خانقة منذ سنوات، ومع ذلك اختار رئيس الجماعة أن ينضم إلى فرقة موسيقية خلال مهرجان محلي، في مشهد يحاول فيه لفت انتباه الساكنة وصرف أنظارهم عن المشاكل الحقيقية. هذه الممارسات تفضح بوضوح كيف تحوّلت بعض المهرجانات من فضاءات فنية وثقافية إلى أدوات سياسية لتلميع صورة رؤساء جماعات فشلوا في تدبير الشأن المحلي.
إن مثل هذه الاختيارات تكشف عن خلل منهجي في ترتيب الأولويات. فبدل أن تكون الأولوية لربط الدواوير بالماء الصالح للشرب، أو لإصلاح الطرق التي تُسهل حياة السكان، أو لدعم قطاعي التعليم والصحة، يتم ضخ المال العام في منصات وصخب لا يُسمن ولا يُغني من جوع. هذه الأموال، إن وُجهت بالشكل الصحيح، كانت كفيلة بتحقيق قفزة نوعية في مؤشرات التنمية المحلية.
يبقى السؤال المطروح بإلحاح: إلى متى سيظل المواطن البسيط رهينة لهذه السياسات الترقيعية التي تُعلي من شأن الاستعراض على حساب التنمية الحقيقية؟ وهل ستبقى المهرجانات واجهةً لكسب الشرعية الانتخابية، بينما تظل مطالب الساكنة الأساسية حبيسة وعود زائفة؟