قبل صدور تقريرها النهائي.. هل استبق رئيس جماعة سيدي بيبي خلاصات لجنة التحقيق؟

في خضم السجالات السياسية والمحلية التي تتصاعد بين الفينة والأخرى على منصات التواصل الاجتماعي، برز مؤخراً “بيان إلى الرأي العام” صادر عن رئيس المجلس الجماعي لسيدي بيبي، في محاولة للرد على ما وصفه بـ”ادعاءات كاذبة”. بيانٌ كان يُفترض أن يضع حداً للجدل القائم ويوضح الحقائق، لكنه، وعلى العكس من ذلك، فتح الباب أمام المزيد من التساؤلات وكشف عن ثغرات قانونية وإجرائية تضع مصداقيته موضع شك.

أولى الملاحظات التي تقفز إلى الواجهة هي الطبيعة الرسمية للوثيقة نفسها. فبيان صادر باسم مؤسسة عمومية يفترض أن يكون موقعاً بشكل رسمي من طرف رئيس المجلس الجماعي، لكن الوثيقة المتداولة جاءت خالية من أي توقيع. هذا الغياب يُفقدها قيمتها الإدارية والقانونية، ويطرح علامات استفهام حول ما إذا كانت تعبر فعلاً عن موقف المؤسسة أم أنها مجرد رد إنشائي لا يلزم صاحبه بأي تبعات قانونية أو سياسية.

ثانياً، يثير البيان لبساً واضحاً بين ما أثاره “لوفيس” في فيديو متداول حول “شخص” مدين للجماعة بمبلغ يناهز 160 مليون سنتيم، وبين ما أورده البيان نفسه من حديث عن “شركة” استفادت من إعفاء بخصوص الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية (TNB). هذا الخلط بين الأطراف والمبالغ لا يزيد المشهد إلا غموضاً، ويضع البيان في خانة الرد على قضية قد تكون مختلفة عن جوهر الموضوع الأصلي.

ثالثاً، يحمّل البيان المسؤولية في موضوع الإعفاءات إلى قرارات وزارية تُنفذ عبر السلطة الإقليمية، في محاولة واضحة لإبعاد رئيس الجماعة عن دائرة المساءلة. غير أن هذا الطرح يطرح بدوره سؤالاً جوهرياً: إذا كان رئيس الجماعة يعتبر نفسه مجرد “منفذ” لقرارات مركزية، فأين دوره في حماية المال العام؟ وهل يُعقل أن يتنازل ممثل الساكنة عن صلاحياته الرقابية والحمائية بهذه السهولة؟

رابعاً، يفتقر البيان إلى الشفافية في عرض المعطيات الدقيقة. فقد اكتفى بسرد أرقام عامة حول الرسوم العقارية المستخلصة، متجنباً الخوض في تفاصيل الملف المعني. متى حصلت الشركة على رخصة البناء؟ كم كان المبلغ المستحق عليها؟ وكم أدت فعلياً؟ هذه الأسئلة التي تُعتبر لبّ النقاش، تم تجاهلها تماماً، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات التواطؤ أو على الأقل سوء التدبير.

وفي هذا السياق، تُطرح أسئلة إضافية أكثر حساسية: هل اللجنة التي أوفدتها السلطات للتحقيق في مبلغ 160 مليون سنتيم سلّمت فعلاً خلاصات رسمية لرئيس المجلس؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يحق للرئيس أن يتحدث باسم اللجنة قبل صدور تقريرها النهائي؟ ثم، هل اطلعت اللجنة على تاريخ الأمر بالاستخلاص الصادر عن الجماعة، ومقارنته بتاريخ رخص التسوية الممنوحة للشركة المعنية؟

المعطيات المتوفرة تشير إلى أن يومين فقط فصلا بين تاريخ الأمر بالاستخلاص وتاريخ الحصول على رخصة التسوية، وهو ما استغلته الشركة لتراسل الجماعة وترد بأنها غير مطالبة بأي أداء إضافي، استناداً إلى شهادة انتهاء الأشغال. هذا السيناريو يطرح علامات استفهام جدية حول مدى قوة الموقف القانوني للجماعة، وهل سلمت فعلاً مفاتيح الملف للشركة لتقرر مصير الرسوم المستحقة؟

إن ما كان يُفترض أن يكون “بيان توضيحياً” تحول إلى وثيقة تُعمّق الشكوك وتُعيد فتح النقاش من جديد حول شفافية التدبير وحماية المال العام. وعليه، فإن ما أثير لا يمكن أن يبقى مجرد جدل على مواقع التواصل، بل يستوجب تحقيقاً معمقاً من السلطات الإقليمية والمركزية، لتحديد المسؤوليات بدقة وضمان عدم تكرار مثل هذه الاختلالات التي تمس جوهر الثقة بين المواطن ومؤسساته المنتخبة.

الأخبار ذات الصلة

1 من 779

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *