ورش البنية التحتية.. إنعاش انتخابي أم وعي تنموي متأخر؟

تحولت العديد من الجماعات الترابية، خلال الآونة الأخيرة، إلى ورش مفتوح لتهيئة الطرق وتزفيتها، وإصلاح أعمدة الإنارة، ورش الأشجار، بل وحتى تنظيف الأرصفة، في مشهد لم يعد غريباً على أعين المتتبعين، لكنه هذه المرة يحمل نكهة خاصة: نكهة الاستعداد المبكر لانتخابات لم يُعلن عنها بعد.

تسارع وثيرة هذه الأنشطة، خاصة في الجماعات القروية التي ظلت لسنوات تعاني من العزلة والتهميش، أثار تساؤلات مشروعة حول التوقيت والدوافع الحقيقية الكامنة خلف هذا الحماس المفاجئ.

الخبير الاقتصادي والإداري إدريس الفينة، رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية، يرى أن ما يجري اليوم ليس سوى محاولة استباقية لاستمالة الناخبين، وخلق صورة ذهنية جديدة للمجالس الحالية، بعد سنوات من “السبات” التنموي الذي ميز أداءها. ويقول الفينة إن “معظم هذه الجماعات بقيت غائبة عن الواجهة، وكأن مسؤولياتها مؤجلة، وفجأة أصبحت قادرة على تعبيد الطرق وصيانة الأعمدة، دون أن نعرف كيف ومن أين ظهر هذا الفائض المالي والتنفيذي؟”

توقيت هذه “الصحوة الجماعية” يعيد إلى الأذهان الممارسات التقليدية المرتبطة بـ”الانتخابات الموسمية”، حيث تُفتح أوراش مؤقتة وتنتهي غالباً مع طي صفحة الاقتراع، ليعود الإهمال إلى سابق عهده.

ويحذر الفينة من أن هذه التحركات ليست دليلاً على نجاح تدبيري، بقدر ما تعكس خللاً عميقاً في الوعي بالمسؤولية الجماعية والدور الحقيقي للمجالس المحلية، مشدداً على أن المغرب بحاجة ماسة إلى جيل جديد من المنتخبين، يملكون تصورات واضحة واستراتيجيات بعيدة المدى، لا يتحركون فقط تحت ضغط المواعيد الانتخابية، بل يشتغلون بنفس الحماس والمسؤولية طيلة مدة انتدابهم.

يطرح هذا الواقع سؤالاً حاسماً أمام الناخبين والمجتمع المدني: هل نريد استمرار نفس العقلية التدبيرية التي تستيقظ فقط مع اقتراب الانتخابات؟ أم أننا مستعدون للمطالبة بتغيير حقيقي، مبني على الحكامة، والمساءلة، والربط الصريح بين المسؤولية والمحاسبة؟

الجواب سيكون في صناديق الاقتراع… لكن الأثر يبقى في الطرق التي تُعبد الآن، وفي القرى التي تُضاء فجأة، بعد سنوات من الظلام.

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬345

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *