عامل إقليم اشتوكة آيت باها يواصل جولات الإنصات والتقييم.. محطة اليوم بجماعة سيدي عبد الله البوشواري

في قلب جبال إقليم اشتوكة آيت باها، حيث الطبيعة القاسية والواقع التنموي المتعثر، تبرز جماعة سيدي عبد الله البوشواري كنموذج مؤلم لما يمكن تسميته بـ”التنمية التجميلية”، حيث تتجاور مظاهر الإنفاق الاحتفالي مع أبسط صور المعاناة الإنسانية: العطش.

ففي الوقت الذي حل فيه السيد محمد سالم الصبتي، عامل الإقليم، بجماعة سيدي عبد الله البوشواري، ضمن سلسلة من اللقاءات التواصلية التي ينظمها لتقييم الواقع التنموي والاستماع لانشغالات الساكنة، أثيرت أمامه جملة من الإكراهات البنيوية التي تكشف هشاشة البنية التحتية، وغياب الرؤية المتكاملة في تدبير الشأن العام المحلي، على رأسها أزمة الماء الصالح للشرب، وضعف الولوج إلى الخدمات الاجتماعية، وتفشي مظاهر الهشاشة في الدواوير الجبلية.

ورغم أهمية المشاريع التي تم التطرق إليها في اللقاء – من تحسين الولوج للماء، إلى فك العزلة، إلى تأهيل المركز الجماعي – إلا أن الساكنة لا تزال تواجه واقعا يختزل مفارقة صادمة: جماعة تحتفي بالمهرجانات وتُنفق على الزينة، بينما يعاني سكانها من العطش، ويُطلب منهم “التسجيل” في لوائح انتظار للحصول على حصصهم من شاحنات الصهريج.

هكذا، وفي إعلان صادر عن رئيس الجماعة بتاريخ 20 ماي 2025، دُعي السكان لتقديم طلبات “التزود” بالماء عبر الصهاريج، في مواعيد إدارية محددة لا تراعي لا طوارئ، ولا عطش الأطفال، ولا كرامة النساء العائدات من مسيرة طويلة وراء دلو ماء. وهو إجراء يجعل من الماء – الذي أقرّه الدستور حقاً – سلعة توزع بمزاج سياسي أكثر مما يخضع لمنطق المرفق العمومي.

من جهة أخرى، فإن اللقاء الذي ترأسه عامل الإقليم سلط الضوء على أولويات استراتيجية كان من المفترض أن تحظى بالأسبقية منذ سنوات، من قبيل تقوية الربط الطرقي، وتوفير الخدمات الصحية، وإنعاش التشغيل، ودعم الاستقرار في المناطق الجبلية التي تعاني من نزيف الهجرة بسبب العزلة وانعدام الأفق. لكن المؤسف أن بعض المنتخبين ما زالوا يفضلون الاستثمار في “الشّعة” بدل المشاريع الحيوية، مسقطين بذلك مفهوم التنمية من معناه الحقيقي إلى مجرد واجهة انتخابية.

وفي هذا السياق، يؤكد فاعلون محليون أن “تنمية المناسبات” لم تعد تقنع أحداً، خاصة حينما تتحول الجماعة إلى ما يشبه مسرحاً لاستعراض العضلات السياسية، على حساب الحقوق الأساسية. إذ كيف يمكن تفسير صرف ملايين الدراهم على مهرجانات صاخبة، في وقت يُحرم فيه السكان من أبسط مقومات الحياة؟

رسالة الساكنة كانت واضحة: “نريد تنمية حقيقية، لا زينة لتلميع الفشل”. فالماء ليس ترفاً يُوزع حسب مصلحة المنتخبين، بل حق وجودي لا يحتمل التماطل ولا الشعارات الفضفاضة. وإذا كانت زيارات عامل الإقليم تسعى إلى إرساء مقاربة إنصات وتقييم واقعي، فإن الخطوة التالية يجب أن تكون مساءلة من جعلوا العطش قدراً محتوماً في جماعة يفترض أنها تتوفر على ميزانيات واستراتيجيات.

إن التحدي اليوم لا يكمن فقط في رصد الخلل، بل في امتلاك الشجاعة لكسر دوائر العبث، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وفرض الحكامة في تدبير الماء والموارد. ذلك أن تنمية لا تروي عطش الإنسان، لا يمكنها أن تبني مستقبلاً، مهما كثرت المهرجانات وتعددت عناوين “الزواق”.

جماعة سيدي عبد الله البوشواري: أزمة الماء واقعية والمجلس ملتزم بالحلول

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬343

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *