بلهجة احتجاجية صريحة، أصدرت جمعية بوبكر أنشاد للثقافة والفن، في إقليم اشتوكة آيت باها، بياناً نارياً للرأي العام، كاشفةً عن “إقصاء غير مبرر” لدعم مهرجان “التبويدة” في دورته الخامسة. هذا البيان ليس مجرد صرخة لجمعية واحدة، بل هو تجسيد لحالة تذمر متصاعدة وسط فعاليات المجتمع المدني بالإقليم، التي تعاني من آفة “الزبونية” و”المحاباة الحزبية” في توزيع الدعم العمومي.
الجمعية، التي تعتبر مهرجان “التبوريدة” إحدى أبرز التظاهرات الثقافية والفنية في اشتوكة آيت باها، أكدت أن ملفها المتعلق بطلب المنحة الجماعية قوبل بالرفض من قبل جماعة إنشادن. هذا الرفض جاء رغم استيفاء الجمعية لكل الشروط القانونية والتنظيمية، ورغم المكانة المرموقة للمهرجان كموعد ثقافي قارّ يُعنى بالتراث الأمازيغي الأصيل ويكرّم قامات فنية راحلة.
الصدمة الأكبر، حسب البيان، تكمن في أن الجمعية كانت قد تلقت وعداً صريحاً من رئيس المجلس الجماعي لإنشادن بمنح دعم مالي خاص بسنة 2024. ولكن هذا الوعد تبخر في مهب الريح، إذ لم تتم برمجة المنحة لا في دورة 2024 ولا حتى في التقديرات المالية لسنة 2025. هذه الممارسات دفعت بالجمعية للتعبير عن امتعاضها الشديد من طريقة تدبير المال العام، خاصة فيما يتعلق بمنح الدعم للجمعيات الثقافية، معتبرة إياها “تسييراً مزاجياً” يتنافى مع مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة.
الولاءات الحزبية… مفتاح الدعم؟
ما كشفته جمعية بوبكر أنشاد ليس حادثة معزولة، بل هو انعكاس لواقع مرير يؤكده العديد من الفاعلين المدنيين بالإقليم. ففي أغلب جماعات اشتوكة آيت باها، لا تخضع عملية توزيع المنح لمعايير موضوعية تستند إلى جودة المشاريع أو قيمة الأنشطة الميدانية، بل تتحكم فيها منطق المحاباة السياسية والولاءات الانتخابية الضيقة. فالجمعيات “المحسوبة” على تيارات حزبية معينة تُفضّل على حساب أخرى، حتى لو كانت هذه الأخيرة أكثر فاعلية وإسهاماً في التنمية المحلية.
هذا التمييز الفاضح في توزيع المنح يُفرغ العمل الجمعوي من جوهره التشاركي ويُحوّله إلى مجرد ورقة ضمن لعبة التوازنات السياسية. فبدلاً من أن يكون المجتمع المدني شريكاً فاعلاً في التنمية، يُصبح أداة لتعزيز النفوذ الحزبي ومكافأة الأتباع. هذا الواقع يهدد مصداقية الحياة الثقافية بالإقليم ويُضعف من قدرة الجمعيات الجادة على تحقيق أهدافها، فتجد نفسها مضطرة لخوض صراع مالي وإداري بدلاً من التركيز على الإبداع والعمل الميداني.
كما أن تهميش تظاهرات نوعية ومؤثرة كمهرجان “التبوريدة” يسائل بقوة مدى التزام المؤسسات المنتخبة بمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة المجالية في دعم المبادرات المحلية. فالمنحة البالغة 6000 درهم التي قرر رئيس المجلس الجماعي منحها للجمعية في سنتين، تبقى “دون مستوى التطلعات ولا تتماشى مع حجم التظاهرة المراد تنظيمها”، مما يؤكد أن الحلول المقدمة لا تزال ترقيعية ولا تعالج المشكلة من جذورها.
دعوة للمكاشفة وتفعيل مبدأ الحكامة
في ظل هذه الأجواء المشحونة، يُطرح سؤال جوهري حول دور المجالس الجماعية في دعم الثقافة: هل هو دور قائم على رؤية استراتيجية واضحة وبرمجة محكمة، أم مجرد قرارات انتقائية تخضع لمزاجية المنتخبين؟ إن تحقيق عدالة ثقافية وتنموية حقيقية في إقليم اشتوكة آيت باها يتطلب التزاماً لا لبس فيه بالشفافية في تدبير منح الدعم، وتطبيق آليات واضحة للتقييم تُبنى على أساس معايير موضوعية بحتة، بعيداً عن الخلفيات الحزبية والولاءات الظرفية.
بيان جمعية بوكر أنشاد يمثل دعوة صريحة لإعادة النظر في طريقة عمل المجالس الجماعية وتفعيل أدوار هيئات المراقبة المحلية والإقليمية، سواء عبر المجالس الإدارية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية. هذا الأمر ضروري لوضع حد للممارسات التي تُفرغ الممارسة الديمقراطية من جوهرها، وتُقصي الفاعلين الحقيقيين في الميدان.
وفي انتظار تصحيح هذه الاختلالات الهيكلية، تبقى التظاهرات الجادة مثل مهرجان “التبوردة” مهددة بالتوقف، في وقت تُرفع فيه شعارات التنمية الثقافية والتنوع والعدالة المجالية على مستوى الخطاب الرسمي، دون أن تجد لها ترجمة حقيقية على أرض الواقع. فهل تستجيب المجالس المنتخبة في اشتوكة آيت باها لنداء الثقافة وتثبت أن ولاءها الحقيقي هو لتطلعات المواطنين وتنمية الإقليم، لا للمصالح الحزبية الضيقة؟ إن الإجابة على هذا السؤال ستحسم مصير العديد من المبادرات الثقافية والجمعوية التي تشكل الرئة التي يتنفس بها الإقليم.