أزمة الصرف الصحي في آيت عميرة: واقع مرير ومستقبل مجهول

تُعدّ جماعة آيت عميرة، التابعة لإقليم اشتوكة آيت باها جنوب أكادير، قاطرة اقتصادية حقيقية للمغرب، لما تحتضنه من استثمارات فلاحية ضخمة تساهم بشكل كبير في تحقيق الأمن الغذائي للمملكة. هذه الدينامية الفلاحية استقطبت آلاف اليد العاملة من مختلف مناطق المغرب، ما جعل المنطقة تتحول في فترة وجيزة إلى واحدة من أعلى الجماعات الترابية كثافة سكانية على مستوى جهة سوس ماسة.

التنمية المتسارعة وبنية تحتية متخلفة: أزمة “الواد الحار”
على الرغم من هذا النمو الفلاحي والديموغرافي الملحوظ، إلا أن البنية التحتية، خاصة شبكة التطهير السائل، لم تواكب هذا التطور، مما خلق أزمة بيئية وصحية حادة.

يُشكل “الواد الحار”، وهو قناة لتصريف مياه الصرف الصحي، بؤرة تلوث خطيرة، حيث تتسرب المياه العادمة منه إلى دوار العرب والدواوير المجاورة، مُطلقة روائح كريهة ومُهددة لصحة الساكنة. ومما يزيد الطين بلة أن هذا الواد لا يبعد سوى أمتار قليلة عن مؤسستين تعليميتين، مما يُنذر بكارثة بيئية وصحية، خاصة على الأطفال.

سنوات من الجمود وتفاقم الأضرار
تفاقمت هذه الأزمة على مدار سنوات، دون إيجاد حل جذري لها، ما أدى إلى تفاقم معاناة السكان، لاسيما خلال فترات ارتفاع درجات الحرارة، حيث تنتشر أسراب البعوض والحشرات الضارة، مُهاجمة المنازل ومُقلقة لراحة القاطنين. يرى الكثيرون ضرورة تعجيل الجهات المسؤولة بإيجاد حل نهائي لهذا الملف الشائك.

أسباب المشكلة وحلول مؤقتة ومستقبلية
وفي تعليقه على الوضع، أوضح السيد علي البرهيشي، رئيس المجلس الجماعي لآيت عميرة، أن “الواد الحار” تم إنجازه دون دراسة خلال ولاية المجلس الأسبق، وكان دوره مقتصرًا على تجميع مياه الحفر، قبل أن يتحول إلى قناة لتصريف مخلفات المنازل بقرار سابق لم تُراعَ عواقبه. وأضاف البرهيشي أن “الواد الحار يستقبل حوالي 360 طنًا من المياه العادمة يوميًا، ما يتسبب في تسربها وتشكل مجارٍ لمياه ملوثة في الطرقات”، مشيرًا إلى أن الجماعة لجأت إلى حل مؤقت يتمثل في إفراغ الحفر بشكل دوري، بتكلفة تتراوح بين 60 و 80 مليون سنتيم سنويًا، وهو ما اعتبره “هدرًا للمال العام”.

نحو حل شامل: مشروع محطة المعالجة
أكد رئيس المجلس الجماعي أن الحل الشامل يكمن في استفادة الجماعة من البرنامج الوطني للتطهير السائل ومعالجة المياه العادمة. يتضمن هذا المشروع الربط والتحويل نحو محطة المعالجة التي تم إنجازها في نفوذ جماعة القليعة، بتكلفة إجمالية تُقدر بـ 18 مليار سنتيم، تساهم فيها وزارة الداخلية بـ 13 مليار ومجلس جهة سوس ماسة بـ 3 مليارات، بينما ستدفع الجماعة الترابية 2 مليار سنتيم. سيستهدف المشروع في مراحله الأولى دوار العرب ودوار أحمر وتجزئة الأمل ومركز المنطقة، على أن يشمل باقي الدواوير والأحياء لاحقًا.

أعمال تنقية القنوات والحفر العفنة: خطوة إيجابية
في خطوة إيجابية، باشرت مصالح الجماعة في شهر مارس الماضي أشغال تنقية القنوات والحفر العفنة في حيي العرب وأحمر. يهدف هذا المشروع إلى صيانة البنية التحتية للصرف الصحي القائمة، من خلال ضمان تصريف سلس وفعال للمياه العادمة، والحد من المخاطر البيئية والصحية، وتحسين الظروف المعيشية للسكان بتقليل الروائح الكريهة والمشاكل المرتبطة بانسداد القنوات. وتشمل هذه الأشغال تفريغ الحفر العفنة ومعالجتها بمواد صديقة للبيئة، وتنظيف القنوات الرئيسية والفرعية، والتخلص من النفايات بطريقة تحترم المعايير البيئية. وقد عبر العديد من المواطنين عن ارتياحهم لهذه الأعمال التي تُشكل خطوة مهمة نحو تحسين جودة الحياة في هذه الأحياء.

تحديات وأمل في مستقبل أفضل
على الرغم من وجود بعض التحديات مثل التعامل مع التراكم الكبير للأوحال وضيق بعض المسالك، إلا أن الجماعة جندت مواردها البشرية المتخصصة لتجاوزها، وضمان استدامة النتائج. يُعتبر انتهاء هذه الأعمال البيئية خطوة إيجابية نحو التعامل مع البنية التحتية القائمة، في انتظار بدء الأشغال في المشروع الكبير والمهيكل للتطهير السائل.

A.Boutbaoucht

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬331

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *