كشفت نتائج دراسة حديثة حول الممارسات الأكثر إزعاجا للمغاربة في الفضاءات العمومية عن معطيات مثيرة، إذ تصدّرت قائمةَ هذه الممارسات مضايقاتُ حراس السيارات، يليها رمي الأزبال في الأماكن غير المخصصة لها، ثم احتلال الملْك العمومي.
مضايقات حراس السيارات
الدراسة التي أنجزها “المركز المغربي للمواطنة”، وحصلت هسبريس على نسخة من ملخّص نتائجها، أظهرت أن 17.2 في المائة من المبحوثين صرحوا بأن الممارسة الأكثر إزعاجا لهم في الفضاءات العمومية هي مضايقات حراس السيارات.
ويَستعمل %77.4 من المشاركين والمشاركات في الدراسة السيارة كوسيلة لتنقلهم، و%12.4 يستعملون وسائل النقل العمومي، والباقي يستعلمون وسائل نقل أخرى.
وجاء رمي الأزبال في الأماكن غير المخصصة لها في الرتبة الثانية ضمن قائمة الممارسات الأكثر إزعاجا للمغاربة في الفضاءات العمومية، بنسبة 16.5 في المائة، بحسب نتائج الدراسة التي شملت 1094 مواطنة ومواطنا من مختلف جهات المغرب.
وصرّح 14.9 في المائة من المشاركين في الدراسة بأن احتلال المِلْك العمومي هو الممارسة الأكثر إزعاجا لهم في الفضاءات العمومية، ثم استعمال الألفاظ النابية في الأماكن العمومية بنسبة 9.3 في المائة.
واحتل التحرش الجنسي بالنساء الرتبة الخامسة في قائمة الممارسات الأكثر إزعاجا للمغاربة في الفضاءات العمومية بنسبة 7.1 في المائة؛ فيما جاءت مضايقات المتسولين والتدخين في الأماكن العمومية في المرتبتين السادسة والسابعة بـ 6.6 في المائة و5.5 في المائة على التوالي.
ورغم أن التدخين في الفضاءات العمومية أتى في آخر قائمة الممارسات السبع الأكثر إزعاجا للمغاربة في الفضاءات العمومية فإنّ 87.2 في المائة من المشاركات والمشاركين في دراسة “المركز المغربي للمواطنة” صرّحوا بأنهم لا يدخّنون السجائر، وتصل هذه النسبة إلى 97.0 في المائة لدى الإناث مقابل 84.1 في المائة لدى الذكور.
ولم يعبّر أي مشارك أو مشاركة من مدخني السجائر عن الانزعاج من التدخين في الأماكن العمومية.
الأزبال أكثر إزعاجا للنساء
وتتغيّر نتائج الدراسة بالقياس إلى جنس المصرّحين، فإذا كانت النتيجة العامة للدراسة بيّنت أن مضايقات حراس السيارات تتصدر قائمة الممارسة الأكثر إزعاجا للمغاربة في الفضاءات العمومية بنسبة 17.2 في المائة، فإنّ النساء يَعتبرن أن رمي الأزبال في الأماكن غير المخصصة لها أكثر الممارسات إزعاجا لهن بنسبة 19.0 في المائة.
من النتائج المثيرة التي كشفت عنها الدراسة أن التحرش الجنسي جاء في الرتبة الثانية ضمن قائمة الممارسات الأكثر إزعاجا للنساء، بنسبة 12.5 في المائة، ثم احتلال الملك العمومي بـ9.9 في المائة، ثم مضايقات حراس السيارات بنسبة 9.5 في المائة.
وبالعكس اعتبر الرجال المشاركون في الدراسة أن مضايقات حراس السيارات هي الممارسة الأكثر إزعاجا لهم، بنسبة 19.7 في المائة، يليها احتلال الملك العمومي بنسبة 16.5 في المائة، ثم رمي الأزبال في الأماكن غير المخصصة لها بنسبة 15.7 في المائة، فالألفاظ النابية بنسبة 9.1 في المائة.
وتضمّنت قائمة الممارسات الأكثر إزعاجا للمغاربة في الفضاءات العمومية كذلك الأطفال غير المرافَقين بنسبة 5.5 في المائة، وعدم احترام طابور الانتظار بنسبة 4.6 في المائة، وعدم احترام مبدأ الأسبقية للراجلين بنسبة 3.0 في المائة، والتمييز بين المواطنين بنسبة 2.5 في المائة، والضجيج والصوت العالي بنسبة 2.0 في المائة، والبصق ورمي العلك بنسبة 2.3 في المائة، وتهديد الكلاب بنسبة 1.3 في المائة.
اختلاف المضايقات حسب الجهات
وعلى غرار اختلاف الممارسات الأكثر إزعاجا بين الذكور والإناث، سجّلت الدراسة الاختلافَ في تحديد هذه الممارسات حسب جهات المملكة أيضا، ففي جهات الدار البيضاء-سطات، وطنجة-تطوان-الحسمة، ومراكش آسفي، تأتي مضايقات حراس السيارات في المرتبة الأولى، بـ 21.1 و18.0 و22.8 في المائة على التوالي.
وبخلاف ذلك جاء رمي الأزبال في الأماكن غير المخصصة لها في قائمة الممارسة الأكثر إزعاجا للمشاركين المنتمين إلى جهة الرباط-سلا-القنيطرة بنسبة 19.5 في المائة. وفي جهة فاس-مكناس يأتي احتلال الملْك العمومي في المرتبة الأولى بنسبة 17.4 في المائة.
ردود فعل متفاوتة
وتتفاوت ردود فعل المغاربة إزاء الممارسات المزعجة لهم في الفضاءات العمومية، وفق ما عبّر عنه المشاركون في الدراسة، بين القيام بردّ فعل معين إزاء الجهة التي تتحمل مسؤولية الممارسة المزعجة، أو الصمت وعدم القيام بأي رد فعل.
وصرح 41 في المائة من المشاركين في الدراسة بأنهم يقومون أحيانا بردة فعل تجاه المسؤول عن تلك الممارسات، في حين أكد 52 في المائة أنهم غالبا أو دائما ما يصدر عنهم موقف معين في الموضوع، في حين صرح 4 في المائة بأنهم لا يقومون بأي رد فعل.
ويُلاحظ من خلال نتائج الدراسة أن النساء هنّ الأقل تعبيرا عن مواقف إزاء الممارسات المزعجة في الفضاءات العامة؛ ففي حين تصل نسبة الرجال الذين أكدوا أنهم يقومون دائما بردة فعل إلى 27 في المائة فإنّ النسبة في صفوف النساء كانت في حدود 16 في المائة.
وبلغت نسبة الرجال الذين صرحوا بأنهم يقومون “غالبا” بردود فعل 28 في المائة، بينما بلغت نسبة النساء اللواتي عبرن عن موقف مماثل 22 في المائة. فيما بلغت نسبة الرجال الذين أكدوا عدم قيامهم بأي رد فعل 3 في المائة، مقابل 5 بالمائة في صفوف النساء.
وبخصوص تقبل الطرف المسؤول عن الممارسة المزعجة لردة الفعل، أكد 9 في المائة من المشاركين في الدراسة أن الأغلبية تتقبل الملاحظة، في حين أن 28 في المائة يعتبرون أن هناك عدم تقبل للملاحظة، و61 في المائة يَعتبرون أن الأقلية فقط من تتقبل ذلك.
وفي ما يتعلق بدرجة تأثر وانزعاج المواطنات والمواطنين من الممارسات المزعجة في الفضاءات العمومية، اعتبر 58 في المائة من المشاركين في الدراسة أنها تسبب لهم إزعاجا كبيرا، في حين اعتبر 32 في المائة أنها قد تسبب لهم في خلافات مع أصحابها، بينما اعتبر 9 في المائة أنها تسبب لهم إزعاجا بسيطا؛ فيما أكد 1 في المائة فقط عدم اهتمامهم بالأمر.
خلاصات وتوصيات
يشير معدّو الدراسة إلى أن الفضاء العمومي أصبح، في العصر الراهن الذي يتجه إلى تغليب قيم الفردانية على حساب القيم الجماعية، يلعب وظيفة مهمة في ما يخص العيش المشترك بين المواطنين، نساء ورجالا، وما يتطلبه ذلك من وعي بأهميته وضرورة تبن جماعي لممارسات مواطنة ومدنية تجمع بين الحق والواجب وبين الحرية والالتزام، وكذلك بين الفرد والجماعة.
وانطلاقا من هذا المُعطى، وفي “غياب قواعد مشتركة متفق عليها وضعف للأخلاق”، يُنبه معدو الدراسة إلى أن الفضاء العمومي قد يُصبح “مكانا للتمييز والاستفزاز والتحرش والاحتقار، وسينتج تحديات أمنية وحقوقية للفرد والجماعة والوطن”.
ويؤكد المصدر نفسه أن تحسين شروط وظروف التعايش الجماعي بين المواطنين في الفضاء العمومي “هو تحدٍّ للجميع، دولةً وأسرة ومدرسة، وكذلك للأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني والتنظيمات النقابية، وأيضا للإعلام”.
ويرى مُعدو الدراسة أن تعزيز قيَم المواطنة وسلوكيات العيش المشترك في الفضاء العمومي يقتضي الاشتغال على ثلاثة محاورَ أساسية، أوّلها إدماج التربية على المواطنة كمحور أساسي في المنظومة التعليمية وفي جميع المستويات وإعطاؤها الأهمية اللازمة.
المحور الثاني هو التوعية والتحسيس المستمر الموجه بشكل عام للمواطن/ة، ثم تعزيز وتقوية الترسانة القانونية، “بحيث أن العديد من الممارسات لا تعتبر قانونيا مخالفة، وبالتالي يتحكم فيها فقط الدافع الأخلاقي”.
وخُتمت خلاصات الدراسية بالتأكيد على أن “النجاح في خلق فضاء عمومي دامج ومستوعب للجميع، مبني على الاحترام، وليس فضاء يكرس ثقافة الانتقام من الجماعة، هو أحد السبل لبناء مجتمع يسمح لأعضائه بممارسة الأشكال المختلفة لمواطنتهم”.
جدير بالذكر أن الدراسة شملت جميع جهات المملكة، ومختلف الفئات العمرية، فيما مثلت الفئة المتراوحة ما بين 25 و55 سنة نسبة 78 في المائة؛ أما المستوى الدراسي للمشاركين فمثل فيه المستوى الجامعي 88 في المائة، والإعدادي/الثانوي 11.5 في المائة.
محمد الراجي