رغم المكانة الاستراتيجية التي يحتلها إقليم اشتوكة آيت باها ضمن الخريطة الفلاحية الوطنية، باعتباره أحد أبرز مزودي الأسواق المغربية بالخضر والفواكه، إلا أن هذا القطاع الحيوي بات يواجه في السنوات الأخيرة إكراهات متراكمة، في مقدمتها النقص الحاد في اليد العاملة وارتفاع تكلفتها، وهو ما ينذر بتداعيات مقلقة على مستقبل الإنتاج الفلاحي بالمنطقة.
مع حلول مواسم الجني، تتجلى الأزمة بشكل أوضح داخل الضيعات الفلاحية، حيث يجد العديد من المنتجين صعوبة كبيرة في توفير عدد كافٍ من العمال، ما يؤدي في حالات كثيرة إلى تأخر عملية الجني أو فقدان جزء من المحصول. ويؤكد فاعلون ميدانيون أن هذا الخصاص لم يعد ظرفيًا أو مرتبطًا بفترات معينة، بل أصبح إشكالًا بنيويًا يتفاقم سنة بعد أخرى.
ويرجع مهنيون هذا الوضع إلى عدة عوامل متداخلة، من بينها عزوف فئات واسعة من اليد العاملة المحلية، خاصة الشباب، عن العمل الفلاحي، مقابل تفضيل أنشطة أخرى أقل مجهودًا أو أكثر استقرارًا. كما ساهم ارتفاع تكاليف المعيشة وتغير أنماط الشغل في فرض مطالب أجور أعلى، تتجاوز في كثير من الأحيان القدرة التحملية للفلاحين، خصوصًا الصغار والمتوسطين منهم.
ويشير متتبعون للشأن الفلاحي بالإقليم إلى أن هذا الواقع يفرض ضغوطًا إضافية على الفلاحين، الذين يضطرون إلى البحث المستمر عن العمال، وتقديم عروض مالية مغرية لتفادي خسائر محتملة، ما ينعكس مباشرة على كلفة الإنتاج ويقلص هامش الربح، في سياق يتسم أصلًا بارتفاع أسعار المدخلات الفلاحية وندرة الموارد المائية.
وفي ظل هذا الخصاص، لجأ عدد من المنتجين إلى الاستعانة بالعمال المهاجرين القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، باعتبارهم حلًا عمليًا لتأمين الحد الأدنى من اليد العاملة الضرورية لاستمرارية النشاط الفلاحي. ورغم أن هذا الخيار ساهم نسبيًا في سد جزء من الخصاص، إلا أنه يطرح بدوره تحديات قانونية واجتماعية وتنظيمية، خاصة فيما يتعلق بشروط العمل والتغطية الاجتماعية.
من جهة أخرى، يبرز إشكال آخر مرتبط بعلاقة العمال بمنظومة الحماية الاجتماعية، حيث يفضل بعضهم العمل دون تصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، خوفًا من فقدان الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي. وضع يزيد من تعقيد المشهد، ويضع الفلاحين بين مطرقة احترام القوانين الاجتماعية وسندان الحفاظ على وتيرة الإنتاج.
ويرى فاعلون بالقطاع أن استمرار هذا الوضع دون حلول هيكلية قد يجعل من أزمة اليد العاملة أحد أبرز التحديات التي تهدد الفلاحة بجهة سوس ماسة، إلى جانب ندرة المياه والتقلبات المناخية. وهو ما يستدعي، حسب متابعين، إعادة النظر في سياسات التشغيل الفلاحي، وتحسين ظروف العمل داخل الضيعات، وتشجيع التشغيل المنظم، مع التفكير في بدائل مبتكرة تضمن التوازن بين حماية حقوق العمال وضمان استدامة الاستثمار الفلاحي.
معضلة اليد العاملة بإقليم اشتوكة آيت باها لم تعد مجرد إكراه ظرفي، بل تحدٍ حقيقي يفرض مقاربة شمولية، تشاركية، ومستعجلة، قبل أن تتحول هذه الأزمة الصامتة إلى عامل يهدد الأمن الغذائي المحلي والوطني.
A.bout













