حملة لتوزيع البطانيات ببيوكرى… هل تكفي الإغاثة الموسمية لمواجهة التشرد؟

في ظل موجة البرد القارس التي تشهدها عدد من مناطق إقليم اشتوكة أيت باها، بادر قائد الملحقة الإدارية الأولى بمدينة بيوكرى، قبل قليل، إلى ترؤس حملة إنسانية تهدف إلى تزويد الأشخاص دون مأوى بالبطانيات ووجبات ساخنة، في خطوة لقيت استحساناً واسعاً لما تحمله من بعد إنساني واستعجالي يهدف إلى التخفيف من معاناة فئة تعيش هشاشة مركبة.

ولإضفاء طابع الاستدامة على هذه الجهود، أطلقت السلطات الإقليمية حملة شاملة ومُخططاً لها، تهدف إلى إحصاء دقيق للأشخاص في وضعية تشرد، وبدأت في تجميعهم وإيوائهم في فضاءات آمنة ومؤقتة، ما يؤكد التحول من التدبير الظرفي إلى المقاربة الهيكلية.

غير أن هذه المبادرات، على الرغم من أهميتها القصوى في اللحظات الحرجة، تفتح في الآن ذاته نقاشاً أوسع حول مدى نجاعة الحلول الظرفية، وحول الحاجة الملحة إلى اعتماد مقاربة شمولية ومستدامة تعالج ظاهرة التشرد من جذورها، بدل الاكتفاء بتدبير آثارها الموسمية.

يؤكد متتبعون للشأن الاجتماعي المحلي أن توزيع البطانيات والطعام، وإن كان ضرورياً، يظل غير كافٍ أمام قساوة الظروف المناخية، ما يستدعي استمرار التفكير في إحداث مراكز إيواء مؤقتة إضافية خلال فصل الشتاء، عبر فتح فضاءات عمومية كدور الشباب أو القاعات الرياضية لإيواء المتشردين ليلاً، وتوفير وجبات ساخنة، وألبسة شتوية، ومستلزمات الوقاية من المطر والبرد.

كما تبرز الحاجة إلى تدخلات صحية متنقلة، تشرف على فحص الحالات الهشة، خاصة أولئك الذين يعانون أمراضاً مزمنة أو اضطرابات نفسية، مع ضمان التوجيه الفوري نحو المؤسسات الصحية عند الضرورة.

وفي أفق الانتقال من التدخل الاستعجالي إلى المعالجة المتوسطة المدى، يشكل الإحصاء الدقيق الذي تم الشروع فيه أساساً لوضع تشخيص فردي يأخذ بعين الاعتبار الأسباب الاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي قادتهم إلى الشارع. هذا التشخيص يمثل قاعدة أساسية لوضع برامج إعادة الإدماج الفعالة.

كما تشكل إعادة الربط الأسري إحدى الآليات الأساسية، من خلال البحث عن أسر المعنيين ومحاولة الوساطة الاجتماعية لإعادة إدماجهم داخل محيطهم العائلي متى توفرت الشروط الإنسانية لذلك، إلى جانب تعزيز الشراكات مع الجمعيات المتخصصة في الصحة النفسية ومحاربة الإدمان والإدماج الاجتماعي.

وعلى المدى البعيد، يبرز مطلب إحداث مركز إقليمي للإيواء وإعادة الإدماج، يوفر فضاءً آمناً للمبيت، والمواكبة النفسية، والتكوين المهني البسيط، ويفتح آفاق الإدماج الاقتصادي عبر برامج أشغال مؤقتة أو تعاونيات محلية، بما يضمن دخلاً قاراً ويحفظ كرامة المستفيدين.

ويرى فاعلون محليون أن المقاربة الوقائية تبقى بدورها رهاناً أساسياً، من خلال رصد الأسر المهددة بالهشاشة والتشرد، وتعزيز آليات الحماية الاجتماعية قبل أن تتحول الأزمات الاجتماعية إلى مآسٍ إنسانية في الشارع.

إن مواجهة ظاهرة التشرد بمدينة بيوكرى تقتضي تنسيقاً حقيقياً ومستمراً بين السلطات المحلية، والجماعة الترابية، والمصالح الاجتماعية، والمجتمع المدني، في أفق الانتقال من منطق الإحسان الموسمي إلى منطق السياسات الاجتماعية المستدامة.

فالتحدي اليوم لا يتمثل فقط في حماية المتشرد من برد الشتاء، بل في منحه فرصة جديدة للحياة، عنوانها الإدماج، والكرامة، والحق في العيش الآمن. وهي مسؤولية جماعية تستدعي إرادة حقيقية وتفكيراً استراتيجياً يتجاوز الحلول الآنية نحو بناء مستقبل اجتماعي أكثر عدلاً وإنصافاً.

الأخبار ذات الصلة

1 من 53

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *