حين يصبح المديح بديلاً عن الميدان… من يحكم فعلاً: المقالات أم الواقع؟

في خضم الترقب الشعبي لتدخلات جذرية تضع حداً للاختلالات الملموسة التي تمس جودة الحياة اليومية، تُسجَّل ظاهرة متكررة: الهروب إلى الأمام عبر ضخ مقالات مديح مُنمَّقة. هذه المقالات تُقدَّم للرأي العام كـ “توثيق لإنجازات استثنائية”، في حين أن المعاينة الميدانية تظل هي الشاهد الأقوى على هشاشة هذه الادعاءات.

إن المؤشرات الواقعية لا تدعم هذا الخطاب الاحتفالي، فالأزمة تستمر في عمقها: لم ينتهِ احتلال الملك العمومي، ولم تتراجع الفوضى، ولم تتوقف المخالفات الصارخة.

هنا يطرح المشهد تناقضاً حاداً يستدعي سؤالاً وجودياً في تقييم الأداء العام:

هل يتم تقييم كفاءة المسؤولين بما يُنشر عنهم من تلميع إعلامي، أم بما يُنجز فعلاً من إصلاح مستدام وملموس على أرض الواقع؟

تزييف الوعي.. أخطر من المخالفة
إنَّ المقالات التي تُفصَّل بعناية لتناسب مسؤولاً بعينه، وتُزيَّن بعبارات جاهزة من قبيل “القرب من المواطنين” و”الصرامة في تطبيق القانون”، لا تحمل أي قيمة مضافة حقيقية. هذه النصوص الزائفة لا تُغيّر شيئاً من واقع الشوارع التي أصبحت ملكاً للمحتلين، ولا تُحرّر متراً واحداً من الأرصفة، ولا تكفّ يد ورش عشوائي واحد.

الأخطر في هذه “الصحافة التجميلية” هو محاولتها الممنهجة لتزييف وعي المواطن؛ إذ تحاول الإيحاء بأن الحالة التنظيمية تحت السيطرة وكل شيء يسير على ما يرام، بينما الواقع يصرخ بضرورة التدخل. هذا التضليل هو قمة العبث بمبدأ الشفافية وقيمة النقد البناء.

العمل الجاد لا يحتاج إلى حملات إنشائية
العمل الجاد والمثمر، الذي يصنع الفارق في التدبير الترابي، لا يلزمه مقالات طارئة كـ “تبرير للذات” أو كـ “رد على الانتقادات”. بل يحتاج إلى نموذج حوكمة فعّال يقوم على أركان ثابتة:

استمرارية ودوام المراقبة بعيداً عن الرقابة اللحظية.

صرامة وعدالة في الزجر لا تقبل المحاباة أو الانتقاء.

تطبيق متساوٍ للقانون على الجميع دون استثناء.

القطع التام مع منطق الحملات الموسمية التي ترتبط بالضجيج الإعلامي أو بزيارات التفتيش.

إن الحكم الفاصل على كفاءة المسؤول لا يصدر ممن يمتلك منبراً يمدحه، بل ممن يملك الشجاعة الأخلاقية ليواجه الفوضى بشمولية، ويُطبّق القانون دون حسابات سياسية ضيقة، ويصون الملك العمومي كحق مشترك.

أما المديح المدفوع، فمصيره محسوم: يزول عند أول اختبار جدي لجودة الحياة، ويسقط عند أول جولة ميدانية صادقة يقوم بها المراقب النزيه.

الميدان لا يكذب، والواقع لا يُزوَّق، والتاريخ لا يرحم.

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬143