نشرنا، في وقت سابق من يومه، مقالاً أشدنا فيه بالمجهودات التي تبذلها السلطات المحلية بجماعة سيدي بيبي لمحاربة ظاهرة احتلال الملك العمومي، في خطوة لاقت استحساناً واسعاً لدى الساكنة التي عانت لسنوات من فوضى الأرصفة والطرقات.
غير أن جولة ميدانية قمنا بها، في محيط مقر جماعة سيدي بيبي، أعادت طرح عدد من علامات الاستفهام، بعدما استرعى انتباهنا استمرار بعض مظاهر احتلال الملك العمومي، بل وتوثيق حالة قيام أحد الأشخاص بتسييج جزء من الملك العمومي بالحديد قَصدَ استغلاله في بيع مواد البناء. هذا المشهد يتناقض بشكل صارخ مع ما رفعته الحملات الأخيرة من شعارات صارمة في مواجهة هذه الظاهرة.
هذه الملاحظة الميدانية تطرح بقوة تساؤلات مشروعة حول مدى شمولية هذه الحملات، وهل هي بالفعل تحركات مستدامة تندرج ضمن رؤية واضحة لتحرير الفضاء العمومي، أم أنها لا تتجاوز في بعض الأحيان طابع الحملات الموسمية المرتبطة بالضغط الإعلامي أو المناسباتي.
وفي الوقت الذي لقيت فيه تدخلات السلطات المحلية في مناطق عدة إشادة من المواطنين، فإن استمرار بعض التجاوزات في محيط مؤسسات عمومية يُعد مؤشراً مقلقاً، ويُضعف الأثر الرمزي والقانوني لهذه الحملات، خاصة وأن الأمر لا يتعلق باحتلال عابر، بل بـ تسييج فعلي لملك عمومي في مشهد يوحي بـ “الأمر الواقع”.
وإذ نُسجل هذه الملاحظات بكل موضوعية، فإننا نُحسن الظن في أن ما تم رصده قد يكون خطأ غير مقصود أو حالة لم تصل بعد إلى علم السلطات المحلية المعنية، على اعتبار أن تنزيل القرارات الميدانية لا يتم دائماً بشكل آني وشامل في جميع النقاط.
غير أن استمرارية المراقبة، وتعميم الصرامة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، تبقى عناصر أساسية لضمان مصداقية هذه العمليات، ولتفادي أي تأويل قد يزكّي منطق الانتقائية أو التساهل مع بعض المخالفات دون غيرها.
إن الرهان الحقيقي اليوم لا يكمن فقط في تنفيذ حملات ظرفية، بل في إرساء آلية دائمة لتحرير الملك العمومي، تحمي حق المواطن في الرصيف، والطريق، والفضاء المشترك، وتكرس هيبة القانون دون استثناء.
فالمطلوب ليس فقط إزالة العربات والحواجز، بل قطع الطريق أمام عودتها، وتطويق كل محاولات التحايل على القانون، لأن الفضاء العمومي ملك مشترك لا يقبل التفويت ولا التساهل معه.
إن ما تُسجله الصحافة من ملاحظات، لا يندرج في باب التشويش أو التقليل من المجهودات، بل يدخل في صميم الدور الرقابي للإعلام، القائم على التتبع، والتقييم، وتنبيه الجهات المسؤولة إلى مكامن الخلل حرصاً على تصحيح المسار.
ويبقى الأمل معقوداً على أن تشهد الأيام القليلة المقبلة تدخلات حازمة تعيد الأمور إلى نصابها، وتؤكد أن حملة تحرير الملك العمومي بسيدي بيبي ليست لحظة عابرة، بل خياراً استراتيجياً لا رجعة فيه.













