الممثلون الغائبون: أزمة صامتة تعرقل التنمية في اشتوكة آيت باها

في قلب إقليم اشتوكة آيت باها، الذي يعد ركيزة اقتصادية فلاحية وصناعية بجهة سوس ماسة، تظل المجالس المنتخبة للقرب هي القناة الأساسية لتحقيق التنمية المحلية المستدامة وخدمة الساكنة. ومع ذلك، تشهد العديد من الجماعات الترابية بالإقليم ظاهرة مقلقة تهدد فعاليتها وتعمق الفجوة بين المؤسسة والمواطن: إشكالية ضعف التمثيلية الحقيقية وغياب الدور المبادِر لعدد من المنتخبين.

 ضعف الحضور وتراجع المبادرة في جماعات الإقليم
الرصد الميداني والتحليل السياسي للمشهد المحلي في اشتوكة يُظهران بوضوح أن دور بعض الأعضاء داخل مجالس الجماعات يكاد يقتصر على الحضور الشكلي في الدورات والتصويت الروتيني. يتحول المنتخب، الذي يفترض أن يكون ممثلاً فعلياً عن الدواوير والأحياء، إلى مجرد رقم يُضاف إلى الأغلبية، دون امتلاك أو ممارسة القدرة على المبادرة، أو تقديم بدائل تخدم القضايا المُلحة للساكنة (مثل تحديات الماء الصالح للشرب، أو البنية التحتية القروية).

هذا الغياب عن الواجهة الفعالة ليس فراغاً عادياً، بل هو إهدار للطاقة التمثيلية، ويؤدي إلى ركود في النقاش العمومي داخل المجلس، حيث تصبح القرارات في كثير من الأحيان نتاج توافقات فوقية داخل أجهزة التسيير، بعيداً عن الانشغالات اليومية للمواطنين.

 التبعية السياسية وشبكات التأثير المحلي
تتعقد الإشكالية أكثر مع الإشارة إلى أن الديناميات الانتخابية المحلية في اشتوكة قد تفرض نوعاً من التبعية على المنتخبين. ففي سياقات انتخابية معينة، قد يجد المنتخب نفسه رهيناً لـ”جهات دعم” مالي (مرتبط مثلاً بالقطاع الفلاحي أو الصناعي) أو خاضعاً لتأثير شخصيات سياسية نافذة أو “عائلات انتخابية” تسيطر على الخارطة السياسية للجماعة.

هذا الارتهان يحدّ بشكل كبير من استقلالية القرار لدى المنتخب، ويجعله مُلزماً بمراعاة مصالح داعميه أو تنفيذ إملاءاتهم قبل أن ينظر إلى مصلحة ناخبيه في المناطق القروية أو الحضرية. والنتيجة المباشرة لهذا الوضع هي ضعف صلة المنتخب بالناخبين، وتآكل شرعيته الشعبية تدريجياً، وتحويله إلى ممثل لـ”لوبيات الدعم” بدلاً من “الكتلة الناخبة”.

 العواقب: فقدان الفعالية التنموية والرقابية
إن تراكم هذه المظاهر يُفقد المجالس الجماعية في اشتوكة جوهر وظيفتها. فكيف يمكن لمجلس أن يكون فعالاً في تحقيق التنمية المحلية (خاصة في ظل تحديات الجفاف والإجهاد المائي) أو ممارسة الرقابة النزيهة على تدبير الشأن العام إذا كان جزء من أعضائه غير قادر على المبادرة أو يخضع للتبعية؟

في ظل هذا المشهد، تُفقد المجالس فعاليتها الرقابية في تدبير الموارد والمشاريع، كما تضعف قدرتها على صياغة استراتيجيات تنموية مستدامة تلبي الاحتياجات الحقيقية للإقليم. وتتجه المجالس نحو البيروقراطية الروتينية بدلاً من أن تكون قاطرة للتغيير، ما يُساهم في تعميق الفجوة بين المواطن ومؤسساته المنتخبة.

 خارطة طريق لتجاوز الخلل
إن تجاوز هذه الحالة ليس أمراً مستحيلاً، ولكنه يتطلب إرادة سياسية حقيقية وإصلاحات عميقة:

تعزيز استقلالية القرار: يجب العمل على فك ارتباط المنتخبين بجهات التأثير غير الرسمية من خلال تعزيز الشفافية في تمويل الحملات ودعم الأحزاب لضمان استقلالية المرشحين.

تقوية كفاءة المنتخبين: من الضروري اعتماد التكوين المستمر كآلية إلزامية لتأهيل المنتخبين في مجالات القانون الإداري، والمالية المحلية، وتقنيات إعداد الميزانيات، وفنون المرافعة والتفاوض.

ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة: لا يمكن إعادة الثقة دون تطبيق صارم لمبدأ المحاسبة لكل من يثبت تقصيره أو تورطه في سوء استخدام المسؤولية، لضمان أداء نزيه ومسؤول يُعيد للمؤسسات المنتخبة اعتبارها وقيمتها في نظر المواطن الشتوكي.

إن مجالس اشتوكة آيت باها لا تحتاج فقط إلى أعضاء، بل تحتاج إلى مُمثلين أكفاء، مستقلين، ومبادرين يتحملون مسؤوليتهم تجاه الناخب والإقليم، ويجعلون من خدمة الصالح العام بوصلتهم الوحيدة.

الأخبار ذات الصلة

1 من 50

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *