إذا كان الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز قد تسبب في خسائر فادحة في الأرواح، وفي أضرار واسعة النطاق بالمباني والدور التقليدية في تخوم جبال الأطلس الكبير، قد حرك الأمة المغربية قيادة وشعبا في تضامن ملحمي منقطع النظير لإغاثة المنكوبين وعلاج الجرحى ودفن شهداء الزلزال والعناية بالأيتام والمسنين، إلا أن هناك زاوية نظر لا يجب إغفالها وهي انه ما كان للزلزال أن يوقع أضرارا فادحة في المنشآت التاريخية والثقافية بمراكش لولا أن البشر تآمر عليها عبر الغش في ترميم نسبة مهمة منها، فإذا كان التضامن الوطني هو الحل في مواجهة تداعيات كارثة طبيعية، فما الحل إذا الذي يجب ان تواجه به الدولة الكوارث المصطنعة بأيدي بشرية فاسدة، والتي من بينها بالمناسبة أيادي الفساد التي أشرفت على ترميم مسجد مولاي اليزيد التاريخي والاسوار المحيطة به أو كما يصطلح عليه مسجد القصبة نسبة إلى حي القصبة الذي شيد فيه.

جامع مولاي اليزيد أو جامع القصبة يعرف كذلك باسم جامع المنصور او مسجد المنصور الموحدي أو مسجد المنصورية، نسبة إلى مشيده الخليفة الموحدي يعقوب المنصور بين عامي 1185 و1190 ميلادية، والذي تم تسجيله في قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 1985م، كجزء من مدينة مراكش، هذه المعلمة التاريخية الفريدة التي تعكس عظمة التاريخ الإسلامي للمملكة المغربية وقعت للأسف بين أيادي الفاسدين الذين تلاعبوا في أشغال ترميمه التي امتدت لأزيد من 4 سنوات، وفقا لتصريحات أبناء الحي الذين قابلتهم الوحدة المتنقلة لتليكسبريس وهي توثق الأضرار التي خلفها الزلزال بحي القصبة بمراكش.

هو إذا فساد كشف عنه الزلزال ووثقته عدسة كاميراتنا وأكده شهود من أبناء المنطقة، وهي أكياس بيضاء محشورة في أعلى سور المسجد وسط خليط من بقايا مواد البناء تم تثبيتها بخليط إسمنتي شاحب “مسوس” وبدون ذلك السياج الحديدي المخصص لتثبيت هذا النوع من الترميمات، ما يؤكد أنها جريمة فساد في الترميم متكاملة الأركان تمت تحت أنظار شركة العمران التي كانت مكلفة بالإشراف على انجاز الترميم الذي تجريه إحدى الشركات المراكشية.

وإذا كان الغش في البناء أو الترميم عمل منبوذ ومحرم ويعاقب عليه القانون، فما بالك بمن يغش في ترميم المآثر التاريخية التي تعكس عظمة المغرب، وكيف هو الحال إن كانت هذه المآثر بيوتا لله، انه فعلا فساد مبين ومنكر لا يجب على الدولة السكوت عنه، لأنه يمس سمعة وسلامة المغاربة بالدرجة الأولى وسمعة الدولة، وهنا يجب أن نسأل “العمران” كيف كان إحساسك وأنت تشاهدين السياح الأجانب بمدينة مراكش وهم يلتقطون الصور لتلك الأكياس البيضاء المحشورة في أعلى سور المسجد وهم يقهقهون، ويعلم الله ما الذي يدور في أخلادهم، فمنهم من سيتساءل هل المغاربة غشاشون؟ هل هذا هو المغرب الذي يسوقونه لنا في بلداننا الغربية ؟، في الحقيقة يجب على الدولة أن تضرب بيد من حديد على بؤر الفساد هذه، وبالخصوص منها شركة العمران وأمثالها وكل من تآمر معها، وهي حملة مكافحة للفساد يجب ان تخوضها الدولة المغربية بنفس الزخم والعزيمة التي خاضت بها معركة مواجهة آثار زلزال الحوز، فالكوارث الطبيعية لها أثر مؤقت يمكن تجاوزه لكن الفساد كالسرطان يضل داخل الجسد ينخره في صمت حتى يقضي عليه.



