نزيف الطرق لا يتوقف.. فواجع متكررة والأسرة المغربية تدفع الثمن

أعادت فاجعة مقتل أسرة بكاملها في حادث مروع على الطريق الوطنية الرابطة بين سيدي قاسم وطنجة، قضية تدهور الطرق إلى الواجهة، خاصة بالشمال حيث تعرف مجموعة من المسالك والطرق بكونها شريانا قاتلا أكثر منها ممرا آمنا للتنقل، فهذه المأساة لم تكن استثناء، بل هي حلقة جديدة في مسلسل نزيف يومي على طرق وطنية لم تعد تستوعب ضغط السير، ولا استهتار بعض السائقين.

أشارت التحقيقات الأولية إلى أن السبب المباشر في الحادث يعود إلى عملية تجاوز متهور قام بها سائق شاحنة، أسفرت عن اصطدام مباشر بسيارة كانت تقل الأب والأم وأطفالهما الثلاثة، ليفارق الجميع الحياة في الحال، تاركين خلفهم جرحا في القلوب، وتساؤلات مؤلمة حول فاعلية منظومة السلامة الطرقية.

إن الطرق في المغرب لم تعد مجرد مسالك محفوفة بالحفر والتشققات، بل تحولت في كثير من الأحيان إلى مقابر مفتوحة، بفعل تضافر عوامل القتل المتنقل: البنية التحتية المتدهورة، ضعف الصيانة، انعدام إشارات التشوير، وغياب المراقبة المستمرة. ويزداد الوضع قتامة حين يضاف إلى كل ذلك استهتار بعض السائقين، ممن يعتبرون قانون السير مجرد توصية لا تلزمهم.

لكن المشكلة أعمق من مجرد تجاوز متهور أو مركبة غير صالحة للسير، فنحن أمام خلل بنيوي يخص التخطيط، الرقابة، والمسؤولية. فكيف يعقل أن تستمر حوادث السير بحصد الأرواح دون أن نرى تفعيلًا صارمًا للقانون؟ لماذا لا يتم التعامل مع هذا النوع من “القتل بالإهمال” كجريمة يعاقب عليها القانون بأقصى العقوبات، بدل اعتباره مجرد حادث عرضي؟

لقد آن الأوان لإعادة النظر في منظومة السير والسلامة الطرقية من جذورها. المطلوب ليس فقط تشديد العقوبات، بل أيضا رفع مستوى التأهيل الإجباري للسائقين، مراقبة تقنية صارمة للمركبات، تسريع وتيرة تثبيت الرادارات الذكية، وتحيين التشوير الطرقي. فالثمن لم يعد يتحمله الأفراد فقط، بل المجتمع بأكمله.

ولعل هذا الحادث المأساوي، الذي أودى بحياة أسرة بسيطة كانت تأمل في لحظة فرح، يجب أن يشكل جرس إنذار للسلطات العمومية والهيئات المعنية، لفتح ورش وطني حقيقي عنوانه “الحق في الحياة على الطرق المغربية”.

فلا يمكن الاستمرار في التطبيع مع هذا الكم من الأرواح المزهقة أسبوعيا. المطلوب عدالة صارمة، بنية تحتية آمنة، وردع حقيقي، فالحوادث قد تكون قدرا، لكن تكرارها بهذا الشكل المأساوي ليس صدفة، بل فشل جماعي لا يجب التستر عليه.

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 330

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *