كشفت وسائل إعلام جنوب إفريقية عن تحول بارز في مواقف النخبة السياسية بجنوب إفريقيا تجاه قضية الصحراء المغربية، وذلك بعد إعلان حزب “أومكونتو وي سيزوي” (MK) الذي يتزعمه الرئيس السابق جاكوب زوما، عن دعمه الرسمي لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط كحل سياسي للنزاع الإقليمي.
ووفقا لصحيفة “ذا نايشن”، فإن هذا التوجه الجديد للحزب، الذي تأسس بعد خلافات زوما مع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، يُعد مؤشرا على انخراط متزايد لجنوب إفريقيا، أو على الأقل جزء منها، في موجة التأييد الإفريقي والدولي للمبادرة المغربية.
ووصفت قيادة الحزب هذه المبادرة بأنها “مسار واقعي وذي مصداقية” يحترم سيادة المغرب ويضمن في الوقت ذاته لسكان الصحراء ممارسة حكم محلي موسع.
وإذا كان موقف جنوب إفريقيا الرسمي تاريخيًا منحازًا لأطروحة جبهة البوليساريو الانفصالية، فإن هذا التحول من طرف شخصية سياسية بارزة مثل زوما، يحمل أبعادًا سياسية ودبلوماسية عميقة. ويبدو أن اللقاء الذي جمع الملك محمد السادس بجاكوب زوما سنة 2017 على هامش قمة الاتحاد الإفريقي – الاتحاد الأوروبي بأبيدجان، شكل نقطة انطلاق لتقارب جديد بين الرباط وبريتوريا، بعد سنوات من التوتر والجفاء السياسي بين البلدين.
وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة “فانغورد” الجنوب إفريقية مقتطفات من بيان أصدره زوما عقب لقائه مؤخرا بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، عبر فيه عن إشادته الواضحة بمبادرة الحكم الذاتي، واعترافه بالسياق التاريخي والقانوني الذي يؤكد مغربية الصحراء.
واعتبر زوما أن “جهود المغرب لاستكمال وحدته الترابية تنسجم تماما مع مبادئ الحزب في الدفاع عن وحدة وسيادة الدول الإفريقية”.
البيان أشار أيضا إلى انسجام موقف الحزب الجديد مع مواقف دول كبرى، على غرار الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة، التي سبق أن عبرت بوضوح عن دعمها للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. كما أصدر الحزب وثيقة سياسية جديدة بعنوان “شراكة استراتيجية من أجل وحدة إفريقيا، والتحرر الاقتصادي، والسلامة الترابية”، شددت على أن الصحراء كانت جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي قبل الاستعمار الإسباني، مستشهدة بالبيعة التاريخية التي قدمتها القبائل الصحراوية للعرش العلوي.
وتضمنت الوثيقة توصيفا للمسيرة الخضراء التي نظمها المغرب سنة 1975، معتبرة إياها “حركة تحرر سلمية وغير عنيفة”، و”فعلا سياديا يدخل في إطار تصفية الاستعمار”، وهو ما يعكس تغيرًا أيديولوجيا لدى الحزب في مقاربة القضايا الترابية بالقارة الإفريقية.
وأكد زوما، في ذات الوثيقة، أن المبادرة المغربية لا تقدم فقط حلا سياسيا مستداما، بل تشكل أيضا رافعة للتنمية والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، داعيًا المجتمع الدولي إلى دعم هذا الخيار كحل عملي لإنهاء أحد أطول النزاعات في القارة.
ويرى مراقبون أن هذا التحول يمثل أولى نتائج سياسة “الواقعية الدبلوماسية” التي اعتمدها المغرب في السنوات الأخيرة، من خلال الانفتاح على الفاعلين السياسيين غير الرسميين في البلدان ذات التأثير القاري، في وقت بدأ فيه الوعي يتزايد داخل جنوب إفريقيا بضرورة تجاوز الاصطفاف الإيديولوجي التقليدي مع البوليساريو، نحو مواقف أكثر اتزانًا وبراغماتية.
ومن المرجح أن يثير هذا التحول الجديد جدلاً داخل الأوساط السياسية الجنوب إفريقية، بالنظر إلى الانقسام التاريخي بشأن هذا الملف، خاصة في ظل بروز تيارات جديدة تدعو إلى إعادة تقييم الموقف الرسمي لجنوب إفريقيا على ضوء التحولات الجيوسياسية التي تشهدها القارة والعالم.
غير أن هذه التحولات، على الرغم من جدليتها، تحمل في طياتها مؤشرات إيجابية لصالح الرباط، التي تسعى إلى توسيع قاعدة الدعم الإقليمي والدولي لمبادرتها، عبر إقناع الفاعلين الأفارقة بواقعية مقاربتها ومصداقية مسارها السياسي، بعيدا عن خطابات الانفصال والتفتيت التي لم تعد تجد نفس الصدى في السياق القاري والدولي الراهن.