بعد أربع سنوات من الصمت المطبق والغياب التام، سواء داخل المؤسسات التشريعية أو في تواصلها المباشر مع نبض الشارع، عادت بعض قيادات أحزاب المعارضة لتطل برؤوسها، لكن هذه المرة عبر بوابة مسيرة “آيت بوكماز”. مسيرةٌ خرج فيها المواطنون بصدور عارية ليعبروا عن سخطهم العميق على واقع مؤلم يتسم بغياب البنيات التحتية اللائقة، ونقص حاد في الماء الشروب، وشحٍّ قاسٍ في فرص الشغل.
المفارقة المؤلمة هنا ليست في خروج هذه القيادات، بل في كيفية خروجها. فبدلاً من الانتقال من مكاتبهم المكيفة في الرباط، والتحرك للقاء ساكنة “آيت بوكماز” وجهًا لوجه، والإنصات بجدية لمطالبهم المشروعة، اكتفوا بالمقاعد الخلفية لشبكات التواصل الاجتماعي. تحولت هواتفهم الفاخرة إلى منابر لتدوين “أحاسيس كاذبة”، وتعابير جوفاء عن تضامن لا يلامس الواقع، ولا يعكس أي جهد حقيقي لتبني قضايا المواطنين.
مع اقتراب موعد الانتخابات، يتكشف لنا مشهدٌ مألوف ومحبط في آن واحد. يبدو أن الأحزاب السياسية المغربية، بما فيها أحزاب المعارضة، لم تستوعب بعد الدروس المتتالية التي تلقاها كل خمس سنوات. فالذاكرة الشعبية لا تنسى، وقد عاقب المواطنون في استحقاقات سابقة تلك الأحزاب التي ظلت تروج للأكاذيب وتوزع الوعود الزائفة، لتجد نفسها في ذيل الترتيب الانتخابي. بل إن بعض الأحزاب، التي قادت الحكومة لولايتين متتاليتين، كادت تخرج بخفي حنين، دون أي تمثيلية برلمانية تُذكر.
رسالة “آيت بوكماز” واضحة: لم يعد الوقت للبيانات الرنانة أو المنشورات الفيسبوكية. المواطن المغربي بات يملك وعيًا سياسيًا أكبر، وبات يميز بين الخطابات الجوفاء والعمل الجاد. فهل ستكون هذه المسيرة بمثابة جرس إنذار حقيقي لقيادات المعارضة لتغيير نهجها، والانتقال من مجرد التعليق على الأحداث إلى صناعة التغيير الحقيقي من خلال العمل الميداني والتواصل الصادق؟ أم أن التاريخ سيعيد نفسه، وستظل هذه الأحزاب حبيسة مكاتبها الوثيرة حتى تكتشف، مرة أخرى، أن الشعب قد اختار طريقًا آخر؟