في زمن تتقاطع فيه الشعارات مع المصالح، وتتشابك فيه الحسابات الانتخابية مع التحركات الموسمية، طالعنا مؤخراً مشهد يكاد لا يُصدّق لولا أن شواهده ماثلة أمام أعين الجميع: نائب برلماني، قضى ولايتين انتخابيتين كاملتين، دون أن يُكلف نفسه عناء زيارة ساكنة المناطق النائية التي منحته ثقتها، ولو لمرة واحدة!
هذا النائب، الذي ظل لسنوات يسكن المكاتب المكيفة، ويجيد فن الظهور في صور الحملات الانتخابية، لم يتذكر فجأة هذه الساكنة إلا عندما تغيّر العامل، واقتربت نهاية ولايته. وكأن زيارة المواطنين في أعالي الجبال، أو في القرى المنسية، لا تستحق منه الالتفات، إلا إذا أصبح الكرسي البرلماني مهدداً، أو إذا بدا أن ممثل السلطة الترابية الجديد يحمل رؤية مغايرة عنوانها القرب والإنصات والحكامة الجيدة.
فجأة، قرر النائب المحترم أن “يتواضع” وينزل إلى الميدان، أن يجلس مع من لم يرهم منذ عشر سنوات، أن يسأل عن حاجياتهم، ويتحدث عن الإنصات والترافع والتنمية، متناسياً أن الذاكرة الشعبية لا تنسى من يغيب، وأن الثقة ليست شيكاً على بياض يُصرف عند الحاجة.
هي إذن صحوة متأخرة، إن لم نقل حسابات انتخابية مغلّفة بخطاب المواكبة. لكن ما لا يعلمه هذا النائب – أو لعله يتناساه – هو أن المواطنين اليوم لم يعودوا رهائن للوعود الجوفاء، ولا أسرى للزيارات العابرة.
إن تعيين العامل الجديد، وما رافقه من حركية إدارية وشبهات حول تقييم أداء بعض المنتخبين، أعاد ترتيب الأولويات وأربك حسابات الكثيرين، فبدأت تحركات مكثفة، ولقاءات متأخرة، قد يُراد منها التدارك، لكنها لا تخلو من رائحة “الاستعداد لما بعد الغفلة”.
وفي خضم كل هذا، يبقى السؤال قائماً:
هل تكفي زيارة في نهاية الولاية لتلميع صورة باهتة؟ وهل يُصلح لقاء مرتجل ما أفسدته عشر سنوات من الغياب؟
السياسة الحقيقية تُبنى على القرب، لا على المفاجآت.
والنيابة عن الشعب ليست امتيازاً، بل مسؤولية يومية لا تُؤجل إلى حين.
اشتوكة ايت باها:النائب الذي استيقظ متأخراً
