شهدت أراضي الجموع بسيدي بيبي، على غرار العديد من المناطق بالمغرب، حالة من الفوضى والتلاعبات التي طالها الزمن، وذلك بالرغم من صدور القوانين التنظيمية الجديدة (62.17 و63.17 و64.17) التي كانت تهدف إلى وضع حد لهذه الممارسات المشبوهة. فبينما استبشر الجميع خيراً بهذه المقتضيات القانونية، لا يزال الواقع يكشف عن تحديات كبيرة في تفعيلها، خاصة القانون رقم 62.17 المتعلق بالوصاية الإدارية.
استمرار التحايل على القانون وغياب الرقابة
تستمر الممارسات المخالفة للقانون، حيث يتم تفويت هذه الأراضي بطرق تحايلية من خلال تحرير عقود كراء أو بيع أو تنازلات، يقوم بها محامون ويتم تصديقها في المحاكم الابتدائية. هذه العقود تلغي الصفة الجماعية عن الأراضي، وتؤدي في كثير من الأحيان إلى الترامي على عقارات تابعة للجماعة السلالية أو حصص ذوي الحقوق. كل ذلك يحدث في ظل غياب شبه تام لدور نواب الجماعة السلالية، الذين أوكل إليهم القانون مهمة حماية العقار السلالي.
تحديات جمة تواجه نواب الجماعة السلالية
بالإضافة إلى ذلك، ينص القانون 62.17 على اختصاصات جماعة النواب في فض النزاعات بين ذوي الحقوق، إلا أن هؤلاء النواب يفتقرون للوسائل والإمكانيات الكفيلة بتنفيذ قراراتهم. ويُعزى هذا العائق إلى سوء فهم بعض رجال السلطة لفلسفة ومواد هذا القانون ومراسيمه التطبيقية، وكذلك سوء تنزيل الدورية الوزارية رقم 4585 لوزير الداخلية، التي تنظم شكليات وضع الشكايات وآجال البت فيها. هذا التعطيل في تطبيق القانون والدورية أدى إلى تراكم قرارات وملفات ذوي الحقوق دون تنفيذ، مما أثر سلباً على ثقة المواطنين في مؤسسة جماعة النواب والسلطة المحلية على حد سواء، ومن الأمثلة الصارخة على ذلك ما يحدث في الجماعة السلالية آيت اعميرة.
تساؤلات ملحة حول مصير الأراضي السلالية
لطالما أكد جلالة الملك في توجيهاته السامية على ضرورة تمليك أراضي الجموع لذوي الحقوق وتعبئتها لخلق الثروة عبر مشاريع تنموية لفائدتهم. هذا الواقع المتقلب في سيدي بيبي يدفع الرأي العام إلى طرح تساؤلات جوهرية حول:
الإجراءات الرادعة: ما هي الإجراءات والتدابير التي ستتخذها وزارة الداخلية، بصفتها الجهة الوصية، لرصد وردع وزجر المخالفين للمقتضيات القانونية الواردة في القانون 62.17، خاصة فيما يتعلق بتفويت هذه العقارات أو الترامي على حصص ذوي الحقوق؟
تأهيل النواب وتفعيل القرارات: ما هي الإجراءات المصاحبة لتكوين وتأطير نواب الأراضي السلالية لضمان حسن تطبيق القوانين المتعلقة بمهامهم واختصاصاتهم؟ وما هي التدابير المتخذة لتنفيذ قرارات جماعة النواب في آجال معقولة، لتعزيز ثقة ذوي الحقوق في ممثليهم؟
متابعة عامل الإقليم: يناشد سكان سيدي بيبي والمتضررون عامل إقليم اشتوكة آيت باها، بصفته رئيس مجلس الوصاية الإقليمي، متابعة تنفيذ قرارات جماعة النواب وتوجيه رجال السلطة في سيدي بيبي للسهر على تنفيذ هذه القرارات، خاصة تلك التي بقيت دون تنفيذ رغم شكايات ذوي الحقوق، وذلك بهدف استثمار العقار السلالي في مسلسل التنمية والحد من الهشاشة.
ورش تمليك الأراضي السلالية: ما هي أشواط ومراحل تنزيل الورش الملكي الرامي لتمليك الأراضي السلالية الواقعة بدوائر الري، وخاصة في الجماعة السلالية آيت اعميرة التي تعرف بوضعها الخاص وأعرافها القديمة، وأهميتها الفلاحية، وحجم التفويتات التي شهدتها، وصعوبة ضبط المستفيدين الحقيقيين من ذوي الحقوق أو الأغيار؟
استفادة ذوي الحقوق: ما هي الإجراءات الكفيلة لضمان استفادة ذوي الحقوق من مدخرات الجماعة السلالية التي ينتمون إليها، لتحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية وولوجهم إلى البنيات الأساسية بمناطقهم؟
آمال معلقة على عامل الإقليم الجديد
إن هذه التساؤلات والآمال معقودة على عامل الإقليم الجديد لتسليط الضوء على هذا الملف المعقد وحلحلة مشاكله. يتطلب ذلك الإنصات للجميع، من هيئات جمعوية وسياسية، دون الاقتصار على لقاءات مع المنتخبين الذين قد يكونون منفصلين عن واقع جماعاتهم. فعدد كبير من المواطنين لديهم قرارات صادرة عن المجلس النيابي بقيت حبيسة الرفوف دون تنفيذ، بالإضافة إلى شكايات عديدة موجهة للعامل السابق وقسم الشؤون القروية دون أن يتم البت فيها وإنصاف المتضررين.
يبقى الأمل كبيراً في أن يتم تسليط الضوء على هذا الملف لإنهاء معاناة سكان سيدي بيبي من فوضى التفويتات وتفعيل القوانين لضمان حقوق ذوي السلالة.