بعد أيام من الاضطراب والارتفاع اللافت في أسعار اللحوم الحمراء بمختلف الأسواق المغربية خلال فترة عيد الأضحى، بدأت الأسعار تأخذ منحى تنازليًا، وإن بشكل طفيف، في ظل استمرار الجدل حول قدرة المستهلك على مواكبة كلفة المعيشة المرتفعة.
فقد سجلت الأسواق الأسبوعية انخفاضًا في سعر لحم الأبقار، ليستقر ما بين 90 و95 درهماً للكيلوغرام، بعد أن تجاوز سقف 110 دراهم قبيل العيد. كما تراجع سعر لحم الغنم، الذي بلغ ذروته عند 150 درهماً، ليستقر في حدود 100 إلى 110 دراهم بمحلات الجزارة، وفق ما عاينته عدة مصادر ميدانية.
انخفاض متوقع لكنه غير كاف
يرى مهنيون في القطاع أن هذا الانخفاض كان متوقعًا بعد انتهاء موسم العيد، الذي يعرف عادة ارتفاعًا في الطلب وتضخُّمًا في الأسعار. لكنهم يشددون على أن التراجع المسجل لا يزال محدودًا، ولا يوازي القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المستهلكين الذين أنهكتهم تكاليف العيد وغلاء المعيشة عمومًا.
ويعزو المهنيون هذا التراجع إلى تراجع الطلب ووفرة العرض بعد ذروة الاستهلاك، إلى جانب التدابير الحكومية الاستباقية التي تم اتخاذها في الأشهر الأخيرة، أبرزها السماح باستيراد الماشية الحية واللحوم المجمدة لتغطية الخصاص وخفض الضغط على السوق المحلي.
لوبيات تتحكم.. والمراقبة غائبة؟
رغم هذه التطورات الإيجابية، لا تزال أصوات المستهلكين ترتفع احتجاجًا على ما يصفونه بـ”التحكم المفرط للوبيات الجزارين” في أسعار التقسيط، مشيرين إلى وجود تفاوتات كبيرة بين الأحياء والمناطق دون سند منطقي أو رقابي. ففي بعض المدن ما تزال الأسعار تفوق 120 درهماً للكيلوغرام الواحد، في ظل غياب آليات ناجعة لضبط السوق وتحديد هوامش ربح عادلة.
ويطرح هذا الوضع تساؤلات متجددة حول فعالية تدخلات المصالح المختصة في المراقبة وضمان الشفافية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن المغربي، والذي بات يشعر بأن الأسعار في الأسواق لا تعكس فعليًا توجهات السوق الحرة بقدر ما تخضع لمنطق “العرض المحسوب والربح المضاعف”.
دعوات لتسقيف الأسعار وحماية المستهلك
في هذا السياق، تتعالى المطالب من جمعيات حماية المستهلك بضرورة تسقيف أسعار اللحوم الحمراء خلال فترات الأزمات والمواسم، وإقرار نظام تتبع صارم للأسعار وهوامش الربح، للحد من المضاربات وتحقيق توازن عادل بين مصالح المهنيين وحقوق المستهلكين.
كما دعا البعض إلى تعميم أسواق الجملة الحديثة وتكثيف عمليات المراقبة الميدانية، فضلاً عن تسريع دعم مشاريع الإنتاج الحيواني المحلي لتقوية العرض وضمان استقرار الأسعار على المدى المتوسط والبعيد.
في انتظار حلول دائمة
يبقى تراجع الأسعار بعد العيد خبرًا سارًا نسبيًا للمستهلك المغربي، لكنه لا يخفي واقعًا أعقد عنوانه استمرار هشاشة منظومة التسويق، وتضارب المصالح بين الحلقات المتعددة للسلسلة الإنتاجية والتوزيعية، في ظل تحديات اقتصادية متسارعة.
فهل تنجح الحكومة في كبح فوضى الأسعار ووضع حد للزيادات العشوائية؟ أم أن “الجيب الفارغ” سيظل الحلقة الأضعف في معادلة السوق؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.