تشير المعطيات التي أوردتها صحيفة “الدايلي ميل” البريطانية إلى تحول تدريجي في خريطة السياحة الأوروبية، حيث بدأت دول شمال إفريقيا، وعلى رأسها المغرب، تفرض نفسها كبدائل حقيقية ومغرية للوجهات السياحية التقليدية مثل إسبانيا والبرتغال.
إن هذا التوجه ليس ظرفيا أو عابرا، بل يعكس دينامية جديدة بدأت تتشكل في سلوك السياح البريطانيين، الذين أصبحوا يبحثون عن الجودة بتكلفة أقل، وعن تجارب ثقافية فريدة لا توفرها الوجهات الأوروبية المعتادة.
في هذا السياق، يبدو المغرب في موقع قوي للاستفادة من هذا التحول، بفضل مجموعة من العوامل المتكاملة. أولها بلا شك التكاليف التنافسية التي تجعل من الإقامة في فندق خمس نجوم بالمغرب أقل كلفة بكثير من فندق بمواصفات مماثلة في أوروبا الغربية.
ثانيها هو تنوع المنتوج السياحي المغربي: من الشواطئ الأطلسية والمتوسطية، إلى المدن العتيقة مثل فاس ومراكش، إلى الصحراء الكبرى والجبال، في توليفة قلّ نظيرها. ثالثاً، المغرب طور في السنوات الأخيرة بنية تحتية سياحية متقدمة، تتجلى في تحسين المطارات، وزيادة الربط الجوي، وتحديث الخدمات الفندقية، مما يجعله وجهة قادرة على التنافس في السوق العالمية.
البيانات التي كشفت عنها شركة “Cirium”، والتي تفيد بأن عدد الرحلات الجوية من المملكة المتحدة إلى شمال إفريقيا تضاعف تقريباً منذ 2019، تُعد مؤشرا قوياً على حجم الطلب المتزايد.
أما الأرقام التي سجلها موقع “بوكينغ” العالمي، من حيث ارتفاع نسب البحث عن وجهات مثل المغرب بنسبة 39%، فهي دليل على أن الزخم السياحي للمملكة في تصاعد مستمر.
لكن ما يجعل المغرب في وضعية أكثر تميزاً هو قدرته على الجمع بين مقومات سياحية متعددة: فهو يقدم تجربة ثقافية غنية ذات عمق تاريخي، فضلاً عن الطقس المشمس طيلة العام، إلى جانب الأمان والاستقرار مقارنة ببعض دول الجوار. كما أن توقيع المكتب الوطني للسياحة لاتفاقيات مع فاعلين بريطانيين يعكس وعياً رسمياً بأهمية السوق البريطانية، ويدل على استعداد لتأطير هذا الطلب المتزايد من خلال توفير مزيد من الرحلات الجوية، والحملات الترويجية الموجهة.
من هذا المنطلق، نعم، من الممكن أن يفعلها المغرب ويتحول إلى وجهة مفضلة ومنافس قوي لإسبانيا والبرتغال خلال السنوات المقبلة، لا سيما إذا واصل الاستثمار في تحسين الجودة، وتعزيز صورة المملكة كوجهة سياحية آمنة ومتميزة.
لكن ذلك لن يكون تلقائياً، بل يستدعي تعزيز الشراكة مع شركات الطيران ومنظمي الرحلات، وتحسين تنافسية الخدمات، وخاصة في ما يتعلق بالاستقبال، والنظافة، والتكوين المهني للعاملين في القطاع، مع تقوية البنية التحتية في المدن السياحية الصاعدة.
في النهاية، الرهان على السياحة لا يجب أن يقتصر على استقطاب الزوار، بل يجب أن يُنظر إليه كرافعة اقتصادية واجتماعية، تستفيد منها مختلف الفئات، وتعيد توزيع عائداتها بشكل عادل، وهو ما سيمنح المغرب ليس فقط الأفضلية التنافسية، بل أيضًا النموذجية في بناء قطاع سياحي متوازن ومستدام.