مسؤولون منتخبون أم معرقلون للتنمية؟ نظرة إلى الفساد المحلي بإقليم انزكان ايت ملول

إن التنمية في العديد من المدن  تواجه عوائق كبيرة، ليس بسبب قلة الموارد أو ضعف الإمكانيات، بل نتيجة لعقلية متحجرة وممارسات فاسدة لبعض المسؤولين والمنتخبين. في الوقت الذي تتطلع فيه البلاد لتحقيق قفزات في النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة، يقف أمام هذه الطموحات عقبات تتمثل في الرشوة واستغلال النفوذ والبحث عن الإثراء السريع على حساب المصلحة العامة للمواطنين.

للأسف، إقليمنا الحبيب ليس بمنأى عن هذه الظواهر السلبية، حيث عانت المنطقة لسنوات من وجود مسؤولين ومنتخبين وضعوا مصالحهم الشخصية فوق كل اعتبار. هؤلاء المسؤولون لا يترددون في تعقيد المساطر الإدارية على المواطنين، بينما عندما يتعلق الأمر بخدمتهم أو مصالح أفراد عائلاتهم، تجد أن كل الأبواب تُفتح لهم، وغالبًا ما يتم التلاعب بالقوانين لتسهيل تحقيق أغراضهم الشخصية.

من السمات التي باتت تُعرف عن بعض المنتخبين في العديد من المدن بإقليمنا الحبيب نجد:

1. التلاعب بالمشاريع التنموية والصفقات العمومية
من أبرز مظاهر الفساد التي تؤثر بشكل مباشر على التنمية هو التلاعب بالمشاريع التنموية. في العديد من المدن، نرى أن المشاريع التي يُعلن عنها لا تُنفذ إلا جزئيًا أو بمواصفات أقل بكثير مما كان مخططًا له. هذا يحدث نتيجة إسناد الصفقات العمومية إلى شركات مقربة من المنتخبين والمسؤولين، والتي غالبًا ما تفتقر للكفاءة والمهنية. هذه الشركات تقوم بتنفيذ المشاريع بجودة منخفضة من أجل زيادة أرباحها، ما يؤدي إلى إهدار المال العام وترك البنية التحتية في حالة من الهشاشة.

2. شراء الذمم وتأثير المال في الانتخابات
الفساد السياسي غالبًا ما يبدأ من مرحلة الانتخابات، حيث يتم شراء الذمم واستغلال المال للتأثير على أصوات الناخبين. بعض المنتخبين يقومون باستغلال النفوذ والمال لضمان فوزهم في الانتخابات، مما يعني أن أهدافهم الأساسية ليست خدمة المواطنين، بل استغلال مناصبهم لتحقيق مصالح شخصية. هذه الأساليب تؤدي إلى فقدان الثقة في العملية الديمقراطية وتدفع بالكفاءات الحقيقية بعيدًا عن المجال السياسي.

3. التلاعب بالميزانيات وتوزيع الدعم بشكل غير عادل
ميزانيات الجماعات المحلية والدعم الذي تقدمه الدولة للجماعات غالبًا ما يُعاد توجيهه بشكل غير عادل. هناك حالات عديدة يتم فيها توجيه الأموال والمشاريع إلى مناطق معينة فقط، تلك التي تدين بالولاء السياسي للمسؤولين أو المنتخبين. هذا التوزيع غير المتوازن للموارد يعمق الفجوة التنموية بين المناطق ويخلق نوعًا من الإقصاء والتهميش في المناطق التي لم تصوت لهؤلاء المسؤولين.

4. الزبونية والمحسوبية في التوظيف
ظاهرة أخرى تبرز في بعض المدن هي الزبونية والمحسوبية في التوظيف داخل الإدارات والمؤسسات العمومية. بدل أن تكون الوظائف مفتوحة أمام الكفاءات، يتم توزيعها بناءً على العلاقات الشخصية أو العائلية أو السياسية. هذا يؤدي إلى غياب الكفاءة في الإدارة العمومية وتراجع الخدمات المقدمة للمواطنين.

5. الترهيب وإسكات الأصوات المنتقدة
من بين الوسائل التي يلجأ إليها بعض المنتخبين والمسؤولين للحفاظ على مراكزهم هي ترهيب الأصوات المنتقدة أو المعارضة. يتم استخدام السلطة والنفوذ لإسكات أي انتقادات أو محاولات لكشف الفساد، سواء من الصحافة المحلية أو من نشطاء المجتمع المدني. في بعض الحالات، يتم استغلال القضاء أو الشرطة للضغط على المعارضين، مما يؤدي إلى خلق مناخ من الخوف والترهيب.

6. التضييق على الاستثمار المحلي
تجد في بعض المدن أن المسؤولين المحليين يتدخلون بشكل مباشر في عرقلة استثمارات مهمة قد تجلب فرص عمل وتنمية اقتصادية للمنطقة. يتم ذلك إما بسبب عدم رغبتهم في السماح لمستثمرين خارجيين بالتنافس مع مصالحهم الخاصة، أو للحصول على رشاوى من المستثمرين. هذا التضييق على الاستثمار يعوق النمو الاقتصادي ويؤدي إلى تفاقم البطالة والفقر في هذه المدن.

7. إهمال البنية التحتية والخدمات الأساسية
في العديد من المناطق، يتم تجاهل الحاجات الأساسية للمواطنين مثل بناء الطرق، وتوفير المياه الصالحة للشرب، وتحسين المرافق الصحية والتعليمية. في حين أن هناك ميزانيات مخصصة لهذه القطاعات، فإن الأموال تُهدر بسبب سوء التسيير أو تُحول إلى مشاريع غير مجدية. هذا الإهمال يعزز من مظاهر الفقر ويُضعف من فرص التنمية الشاملة.

8. النفاق الإعلامي والتسويق الكاذب
بعض المسؤولين يعتمدون على نشر الأخبار الإيجابية عن إنجازاتهم الوهمية عبر وسائل الإعلام، في محاولة لتلميع صورتهم أمام الرأي العام. لكن في الواقع، تبقى تلك المشاريع والإنجازات مجرد شعارات فارغة لا تعكس حقيقة ما يحدث على الأرض. المواطنون يجدون أنفسهم في مدينة تبدو مزدهرة على الإنترنت، ولكن تعاني في الواقع من التهميش والفساد.

9. التأثير السلبي على الثقة المجتمعية
هذه الظواهر المتفشية من الفساد والمحسوبية لا تؤثر فقط على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل تُضعف الثقة بين المواطنين والدولة. حين يرى المواطنون أن المنتخبين والمسؤولين يستغلون مناصبهم لمصالحهم الشخصية، يفقدون الأمل في التغيير، وهذا يؤدي إلى تراجع المشاركة السياسية الفاعلة، وتنامي الإحباط واللامبالاة تجاه أي جهود تنموية.

10.المسؤولون النزهاء: كفاح مستمر في وجه شبكات تحمي الفاسدين

بالرغم من الفساد المستشري في بعض المدن، يبقى الأمل قائماً في وجود مسؤولين ومنتخبين نزهاء يعملون بإخلاص لمحاولة تصحيح المسار التنموي وتحقيق التغيير الإيجابي. هؤلاء الأشخاص، الذين يحملون رؤية واضحة لمستقبل أفضل للمناطق التي يشرفون عليها، يبذلون جهودًا كبيرة لتحسين ظروف المواطنين وتحقيق تنمية حقيقية ومستدامة. إلا أن ما يعوقهم في كثير من الأحيان هو وجود شبكات مصالح مترابطة تحمي الفاسدين وتغطي على تجاوزاتهم. هذه الشبكات تشمل أطرافًا داخل المؤسسات وخارجها، تسعى إلى الحفاظ على الوضع القائم لضمان استمرارها في الاستفادة من الامتيازات غير المشروعة. ورغم ذلك، يواصل المسؤولون النزهاء كفاحهم في سبيل الشفافية والمحاسبة، مستندين إلى دعم بعض فئات المجتمع المدني التي تؤمن بضرورة تغيير الواقع وتطهيره من الفساد. لكن هذا الطريق مليء بالتحديات، ويتطلب المزيد من الجهود والمساءلة لتفكيك منظومة الفساد التي أصبحت جزءًا من الثقافة الإدارية في بعض المناطق.

للتغلب على هذه التحديات، يجب التركيز على تفعيل آليات المساءلة والشفافية، سواء عبر تعزيز دور القضاء المستقل أو توفير منصات بالإقليم تتيح للمواطنين الإبلاغ عن الفساد دون خوف. يجب أيضًا تبني إصلاحات هيكلية تجعل من المستحيل على المسؤولين التلاعب بالمال العام أو استغلال نفوذهم دون رقيب.

أخيرًا، هناك حاجة إلى تفعيل دور المجتمع المدني والصحافة الحرة لكشف الفساد وتعزيز الوعي بين المواطنين.

بإصلاح هذه المنظومة الفاسدة وتعزيز الثقة بين الدولة والمواطنين، يمكن لإقليمنا الحبيب أن يحقق تنمية حقيقية وشاملة تضمن رفاهية الجميع وتجعل من المصلحة العامة الأولوية القصوى.

 

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬301