الحقائب الوزارية الغائبة في حكومة عزيز أخنوش

تعرضت حركية مجموعة من الحقائب الوزارية للإهمال، وتعطلت وظائف بعضها وتداخلت بسبب سوء تدبير توزيعها داخل حكومة عزيز أخنوش، واتضح جليا فشل سياسة “زواج المتعة” الذي اعتادت الحكومات المغربية اللجوء إليه بضم مجموعة من الوزارات، من أجل تقليص عدد الوزراء وضمان تفاعل وتكامل بعضها في إطار الخدمات والملفات المشتركة بينها، والتي تقتضي تواجدها تحت قيادة مسؤول واحد (وزير) في قمة الهرم، عوض التعددية السلطوية التي تبطئ الخروج بمبادرات وتعرقل المشاورات، كما تعطل المساطر وتربك القرارات.

    إن عملية تزاوج مجموعة من الوزارات تبرز مع ميلاد كل حكومة جديدة، بدون أدنى توضيحات أو حتى إعداد قبلي، وتسقط الحكومة في مشاكل وأزمات مجانية تعيق عمل الوزراء المعينين، وتشل أو تلغي الخدمات والبرامج والمخططات المبرمجة سلفا، كما أنها تضر بالتدبير الإداري والسير العادي للمرافق العمومية التابعة لها، علما أن منصب الوزير يبقى منصبا سياسيا يمنح عادة لوافد غريب عن الوزارة.. تعيين تفرضه تكتلات الأغلبية الحزبية، وتبقى أبواب ونوافذ ورفوف تلك الوزارة مجهولة لدى القادم الجديد لعدة أسابيع أو ربما أشهرا..

حقيبة الرياضة عالقة ومرافقها تتعرض للتلف

     لم توفق وزارة التربية الوطنية في فك شيفرات حقيبة وزارة الرياضة وفتحها من أجل الاستفادة من خدماتها المتنوعة، وخصوصا على مستوى العمالات والأقاليم والولايات.. فباستثناء الظهور الإعلامي للوزير شكيب بنموسى في المحافل الرياضية الوطنية والدولية، والتسويق الإعلامي المطعم بإنجازات نجوم الرياضة المحتضنين أصلا من طرف الجامعات الملكية لتلك الرياضات، وفي مقدمتها جامعة كرة القدم، فإن حقيبة الرياضة تبقى مهملة منذ إرفاقها بوزارة التربية الوطنية، وتبقى علامات الاستفهام تصاحب كل ما يتعلق بتسيير وتدبير البنية التحتية الرياضية إقليميا وجهويا، من تجهيزات ومرافق إدارية وملاعب وقاعات ومسابح، وغيرها، حيث لا زالت معظم تلك المرافق إما مغلقة أو مشغلة بطرق غامضة بموارد بشرية تعاني من الخصاص ومن ضبابية التعامل مع  الإطار القانوني للموظفين القادمين من وزارة الرياضة سابقا، وكيفية إدماجهم قانونيا تحت لواء وزارة التربية الوطنية.. مشاريع رياضية عالقة، وأخرى كانت على وشك الإنجاز، فتوقف الحديث عنها رسميا ولم يعرف بعد هل تم تأخيرها أم إلغاؤها؟

دروس التربية البدنية.. مفتاح التنمية الرياضية

    رغم عدم قدرة وزارة التربية الوطنية على تفعيل خدمات حقيبة الرياضة، وصيانة وإصلاح مرافقها وتدبير مواردها البشرية الغير كافية، فإن ضم حقيبتي وزارتي التعليم المدرسي والرياضة، كان على اعتبار أن المؤسسات التعليمية هي المشاتل الحقيقية لإنتاج نجوم الرياضة والتأثيث لأجيال قوية وسليمة جسمانيا وعقليا، وكذا على اعتبار أن المؤسسات التعليمية تتوفر على البنيات والتجهيزات اللازمة لممارسة جل أنواع الرياضات الفردية والجماعية، كما تتوفر على الموارد البشرية اللازمة المشكلة من أساتذة ومفتشي مادة التربية البدنية خريجي مدارس عليا متخصصة، وأكثر من كل هذا، فإن المشاتل الرياضية للمؤسسات التعليمية هي تحت إشراف أطر للتربية قبل التعليم، والذين يمارسون أدوار الأبوة والأمومة قبل التدريس، ويأملون – كما الآباء والأمهات – أن يرتقي مستوى إبداع التلاميذ في كل المجالات، بما فيها الرياضية والثقافية، فالكل يدرك جيدا أن الأستاذ هو الشخصية الثانية بعد الأب والأم، الذي يعمل بجد من أجل أن يكون التلميذ في مرتبة عليا.

داخل المؤسسات التعليمية، تحدث الأندية الرياضية، وفروع الجمعية الوطنية للرياضات المدرسية، وهناك مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية، والجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية، والتي بإمكانها أن تعمل بتنسيق مع باقي أقسام ومصالح وزارة الرياضة، من أجل تكوين النجوم والأبطال، وجعل الرياضة في قلب برامج الحياة اليومية للمواطنين.

لكن، كم هو مؤسف أن ترى الأطفال والشباب يمارسون أنواعا من الرياضات بالأزقة والشوارع، وبجوار منازلهم بينما مؤسسات تعليمية بها ملاعب وفضاءات رياضية فارغة، وتجهيزات رياضية تتعرض للتلف والصدأ، وكم هو مؤسف أن تؤسس جمعيات رياضية من طرف أشخاص لا علاقة لهم بالرياضة، همهم الوحيد الحصول على منح الجماعات الترابية وأموال المساهمين (المحسنين)، في الوقت الذي كان بالإمكان الاستعانة بأساتذة التربية البدنية.. ألم يحن بعد موعد تقييم حصيلة قطاعي الرياضة بالتعليمين المدرسي والجامعي، ذلك القطاع المصاب بالعقم رغم ما ترصده له وزارة التربية والتكوين من مبالغ سنوية ضخمة، وما توفره له من جيوش الأطر التربوية والرياضية والبنيات والتجهيزات؟ ألم يحن الوقت للوقوف على برامج التربية البدنية والأنشطة الرياضية وحصصها المعتمدة مدرسيا وجامعيا، والإقرار بفشلها، والتعجيل بإعداد نموذج تنموي رياضي جاد ومنصف يجعل من المدارس الابتدائية والثانويات والمعاهد والكليات، مشاتل حقيقية لإنتاج النجوم والأبطال في مختلف الرياضات، والأهم من هذا كله، إعداد أجيال سليمة العقل والجسد قادرة على الدراسة والتكوين والتميز، ووقف زحف الانحراف والإجرام والتطرف؟

تساؤلات عدة حول مستقبل الرياضة المدرسية والجامعية ومدى استفادة التلاميذ والطلبة من برامجها السنوية في ظل تردي الأوضاع التعليمية، إذ لم تعد تشكل أدنى حافز للتلاميذ ومعهم الآباء المستائين من نتائجهم الدراسية المتدهورة وانحرافاتهم التي تضاعفت وتنوعت.

فلم تعد المؤسسات التعليمية التي استنزفت حرمتها وأدبياتها التربوية من طرف المشاغبين والمنحرفين و”المخمولين” من التلاميذ والتلميذات، تشكل أحضانا لصقل الرياضيين الموهوبين، تترعرع داخلها الطاقات والكفاءات البدنية، فرغم ما تقوم به الوزارة الوصية من مبادرات خجولة، وعمليات تحسيسية بأهمية الرياضة التعليمية، وتوفير الفضاءات الرياضية والأطر التربوية، ورغم حرصها الشديد على تنظيم أنشطة ومسابقات رياضية، وتخصيصها مكاتب ومصالح وأقسام خاصة بالرياضة المدرسية والجامعية على مستوى المؤسسات التعليمية والمديريات والأكاديميات والجامعات والوزارة، فإن الحصيلة تبقى جد متدنية، ولعل أبرز ما أثار ويثير استغراب العديد من المهتمين بالشأن المدرسي، طريقة التعامل مع التلاميذ والتلميذات الراغبين في الممارسة الرياضية أو طالبي الإعفاء منها، فالإعفاء لم يعد حكرا على الذين يعانون من أمراض وإعاقات تحول دون قيامهم بمجهودات عضلية، بل أصبحت الشواهد الطبية في متناول كل راغب في الابتعاد عن الممارسة العضلية، وحتى من طرف تلاميذ يمارسون رياضات مختلفة ضمن فرق محلية وجمعيات رياضية، لكنهم يفضلون إعفاءهم من مادة التربية البدنية، وتحتل فئة الإناث النصيب الأكبر من طالبي الإعفاء من مادة التربية البدنية لاعتبارات تعود إلى عدم رغبتهن في ارتداء ألبسة رياضية غير محتشمة، أو الاحتكاك مع الذكور، أو بهدف الاستفادة من حصص التربية البدنية في أمور لا علاقة لها بالتعليم، كما أن الراغبين في الممارسة لا يخضعون لفحوصات تبين مدى استعدادهم الجسماني والنفسي لتطبيق البرنامج الرياضي دون التعرض لمضاعفات قد تضر بصحتهم.

ورغم أن مادة التربية البدنية تدخل ضمن المواد المدرسة بالتعليم الابتدائي، وقد خصصت لها الوزارة حصتين في الأسبوع، فإن كل المدارس الابتدائية العمومية لا تتوفر على مدرسين متخصصين في الرياضة المدرسية، ومعظمهم لا يتوفرون على فضاءات لممارسة الرياضة، كما لا يتوفرون على برنامج سنوي يمكن اعتماده لتنمية قدرات التلاميذ الرياضية، بل إن هناك من يخضع التلاميذ لحصص التربية البدنية بملابسهم العادية.

حقيبة الشباب اختفت داخل وزارة الثقافة

    تسبب طلاق حقيبتي الرياضة والشباب في إرباك خدمات المرافق الخاصة بحقيبة الشباب، التي يتعرض معظمها للتلف، وخصوصا دور الشباب والمراكز السوسيو-رياضية، وغيرها.. خصاص مهول في الموارد البشرية، وغياب الصيانة والحراسة، كما أن هناك مجموعة من الموظفين التابعين لقطاع الرياضة لازالوا يعملون داخل المرافق التابعة لقطاع الشباب، بل إن هناك خلطا حتى لدى السلطات وباقي القطاعات والمجالس المنتخبة، في نوعية الخدمات المقدمة.

بنموسى // لفتيت // أيت الطالب // بنسعيد

قصور أداء حقيبة التواصل  

    الأكيد أن موضوع تشييع جنازة المرحومة وزارة الاتصال لم يكن أمرا عاديا، وقد شهد رواد الإعلام والاتصال على تحويل حقيبة وزارتهم إلى مجرد تابوت، وطمر جثمان وزارتهم التي عمرت لأزيد من ستة عقود، فمعظم الإعلاميين يرفضون أن تكون مهنتهم ومقاولاتهم الإعلامية تحت رحمة وزارة يقودها سياسي يدار بأجهزة تحكم حزبية، وشعارهم دوما: “الاتصال لكم والإعلام لنا”، كما يرفضون الخضوع والخنوع لأي أهداف تغرد خارج سرب حرية الرأي واستقلالية التغطية والتشريح والتعليق والتحليل الصحافي المهني، ويؤمنون بقوة وانفراد الضمير المهني، والخطوط الحمراء التي يرسمها دستور البلاد، بمعنى أننا كنا نريد فقط التخلص من وصاية الوزارة، إذ لا يعقل أن يزكي وزير  صحفيا ويوقع أسفل بطاقته المهنية، وغالبا ما يكون ذلك الوزير لا علاقة له بالإعلام والصحافة، وهو ما تم بإحداث المجلس الوطني للصحافة الذي نأمل أن يكون آلية مستقلة جادة وصارمة وحامية لقطاع الإعلام والاتصال.. وطبعا تحقق هذا المطلب وأصبح لرواد الإعلام والصحافة حضن جديد حمل اسم المجلس الوطني للصحافة، الذي هو في حاجة إلى تقويم وتعديل وتقنين حتى يستوفي كل الشروط اللازمة المتوخاة، لكن بالمقابل، فالحكومة في حاجة ماسة إلى حقيبة وزارية للاتصال والتواصل، وليس إلى مرفق إداري لا يحمل إلا الاسم.

بعيدا عن السلطة الرابعة، يجب أن ندرك جيدا أن أحد أهم أسباب قصور أداء الحكومة ووزرائها، سواء زاد عددهم أو نقص، يعود بالأساس إلى ضعف جسور وقنوات الاتصال والتواصل، حيث أن كل مسؤول أو وزير يغرد داخل سربه الذي أثثه على هواه، وحيث انعدام أقسام ومكاتب الاتصال والتواصل بين الوزارات، أو بين الحكومة والمجتمع المدني وباقي الفاعلين بالمغرب، وفي مقدمتهم ممثلو الإعلام والصحافة.

فلم الإصرار على محاولة المزج بين الاتصال والإعلام، علما أن لكل قطاع مهامه وأهدافه ورواده؟ ولم لا تكون وزارة الاتصال هي الناطقة الرسمية باسم الحكومة وكل أعضائها وإداراتها، وهي الجهاز الراعي لشبكة الاتصال والتواصل داخل كل المرافق الإدارية العمومية، وبينها وبين باقي فعاليات المجتمع المدني؟

فالمفروض أن تحدث كل إدارة أو وزارة مكتبا أو قسما للاتصال مكلف بالتواصل مع باقي المرافق الإدارية داخل وخارج الوزارة، ومع فعاليات المجتمع وممثلي الصحافة والإعلام، وذلك من أجل مدهم بالمعلومات والبلاغات والتوضيحات والإعلانات والمستجدات، وترتيب اللقاءات والندوات، وغيرها.

والمفروض أن تحدث مديريات إقليمية وجهوية لوزارة الاتصال، مهمتها التنسيق مع مكاتب وأقسام الاتصال بكل المصالح الداخلية والخارجية للعمالات والأقاليم والجهات، وأن تنكب على تجميع المعلومات وتحليلها وجعلها رهن إشارة الصحافيين والباحثين والمهتمين، وتدخل بذلك في إطار تقريب المعلومة والتخفيف من معاناة الصحافيين، الذين يقضون الأيام بين رفوف مكاتب ومصالح الأقسام الخارجية والداخلية من أجل الظفر بالمعلومة، كما تمكن تلك المديرية الإقليمية والجهوية من معرفة برامج ومخططات كل القطاعات، ومدى توافقها وتلاؤمها عوض أن نجد قطاعا ما يبرمج على هواه مشاريع تنموية تصعب أجرأتها، لتعارضها مع برامج ومشاريع قطاعات أخرى.

مع الأسف، فإن من حضر تشييع جنازة وزارة الاتصال، قدم التعازي لرواد الإعلام والاتصال على اعتبار أنهم فقدوا “الأم الحاضنة”، ونسوا أو تناسوا أن تلك الأم لا تقربهم في شيء، وأنهم عاشوا في كنفها برغم أنوفهم، كما عاشوا سابقا تحت وصاية أم الوزارات (الداخلية)، ولم يدركوا أنه بفقدان وزارة الاتصال تم الإفراج عنهم، وأن موتها هو خسارة للحكومة التي فتحت حقيبة لمدة 60 سنة ولم تستوعب قيمة خدماتها الحقيقية، وأن هاجس التحكم في الإعلام والصحافة شغلها إلى درجة أنها صبت كل اهتمامات تلك الوزارة نحو رواده، وغفلت عن مهمة الاتصال والتواصل التي تعتبر بمثابة التيار الكهربائي الذي يزرع الحياة، وبدونه تبقى الإدارات وخدماتها في عزلة تامة.

الحماية الاجتماعية تعني وزارة الصحة

    بات من المفروض إعادة النظر في المفهوم السائد للحماية الاجتماعية، الذي يبدأ من حاجيات المواطن الأساسية في التغذية والصحة والتعليم والسكن.. وينتهي بالتأكيد أن الوطن أولى بكل حماية، وبالتالي، فلا يمكن حصر الحماية الاجتماعية داخل وزارة معينة، بل يجب أن توفر لها حقيبة خاصة.. فكل مشروع أو مبادرة تستهدف الفئات الهشة لا بد لها أن تراعي مصلحة الوطن، وألا يكون من تبعاتها رهن البلاد للمجهول، وألا تغرقه في الديون والتبعية العمياء، لأن من شأن ذلك أن يزيد من إفقار الشعب وضرب الاقتصاد الوطني، ومناسبة حديثي هذا، ما تعيشه البلاد من سوء تدبير لكل أشكال الدعم الخاصة بالفئات الهشة.

ولا داعي للخوض في مشروع القانون رقم 72.18 المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي، وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، والذي وضعت الدولة سكته، وننتظر إخراجه لأرض الواقع، فما يمكن إبرازه في هذا الركن، هو تبيان الصحيح من الخطأ في مطلب الحماية الاجتماعية بالمغرب كما في عدة دول تعطل مصعد نموها وانتقالها الديمقراطي، فالصحيح أن تحدث الحكومة حقيبة خاصة، وتواظب على توفير حقوق المواطنين باعتماد برامج ومخططات مبنية على دراسات ميدانية علمية ودقيقة، وأن تبادر إلى ترسيخ ثقافة الحماية الاجتماعية لدى كل شرائح المجتمع المغربي، بالتضامن والتلاحم وعودة الثقة بين الأفراد، داخل الحي والدوار والدرب.. وداخل الأسر، وبينها وبين من يدبرون شؤونهم محليا، جهويا ووطنيا، منتخبين أو موظفين بمختلف أسلاكهم وتموقعاتهم وتلويناتهم المدنية والعسكرية داخل الإدارات العمومية والخاصة، والأهم من كل هذا، أن يستوعب الأطفال مفهوم تلك الحماية داخل المدارس والمنازل.

فالخطأ الذي يجب على الحكومة أن تحاربه، هو أن مطلب الحماية الاجتماعية يشهره الأثرياء قبل الفقراء.. هؤلاء الذين لا يترددون في التحول إلى كائنات مفترسة من أجل الربح والكسب، نجدهم أشد خوفا من المستقبل وكأن ما كدسوه ويكدسوه من أموال وعقارات قد لا يكفيهم لضمان حياة الرفاهية الفانية، فحتى نعمة الأمن والاستقرار التي ينعم بها المغاربة في بلدهم، لم تحل دون استفحال طمع وجشع الأثرياء، ولهفتهم وإدمانهم على اللهث وراء الأموال وامتلاك العقارات، يسارعون الزمن “الكوروني” وغيره من الأزمان، من أجل فرض منطق “الأنا الأعلى” دون اعتبار لباقي المغاربة من الطبقات المتوسطة والفقيرة، فهم يكتنزون الثروات بالمغرب وخارجه، وتجدهم مستعدين للرحيل والقطع مع أصولهم وأرضهم وعرضهم، يتوهمون فرضية العيش الكريم خارج كنف وطنهم، فيسارعون إلى التنكر له.

والخطأ أن نسارع إلى رهن اقتصاد البلاد بشكل عشوائي لدى البنك الدولي، والاعتماد على قروض مالية من أجل تدبير مطلب الحماية الاجتماعية وفق منظور غير منتج، فأهداف الحماية الاجتماعية لدى الأمم المتحدة للتنمية المستدامة تنحصر في استحداث نظم وتدابير حماية اجتماعية ملائمة على الصعيد الوطني للجميع، ووضع حدود دنيا لها، وتحقيق تغطية صحية واسعة للفقراء والضعفاء بحلول عام 2030، وتنحصر مبادراتها في صرف المال من أجل تقديم المساعدات الاجتماعية من خلال تحويلات نقدية إلى من يحتاجون إليها، لاسيما الأطفال، والمزايا والمساندة لمن هم في سن العمل في حالة الأمومة أو العجز أو إصابات العمل أو لمن هم عاطلون، وتغطية معاشات التقاعد لكبار السن، ويجري تقديم المساعدات من خلال التأمينات الاجتماعية، والمزايا الاجتماعية التي تُموَّل من الضرائب، وخدمات المساعدات الاجتماعية، وبرامج الأشغال العامة، وغيرها من البرامج التي تكفل توفير الدخل الأساسي، ويتضح جليا غياب برامج للاستثمار في تلك الفئات البشرية، وأن المخطط الأممي يهدف إلى توريط الدول في القروض، وجعلها ترفع شعار “سمكة لكل مواطن” عوض “صنارة لكل مواطن”، والنتيجة المتوخاة هي إغراق الدول في الديون، لندرك جيدا أننا لن نوفق في ضمان حماية اجتماعية للشعب إلا باستحضار حماية وعزة الوطن، ووقف جشع الأثرياء وحسن الاستثمار في كل فئاتنا البشرية، وترسيخ ثقافة الحماية الاجتماعية لدى الصغار قبل الكبار، وتفادي قروض البنك الدولي إن لم تكن من أجل الاستثمار فيها.. فمتى نحسن الاستثمار في ثروات بلدنا.. في الفوسفاط والسمك والفلاحة والطاقات المتجددة و.. وفي مواردنا البشرية؟

نزيف أموال الجماعات المحلية يفرض إحداث حقيبة

    بات من الواجب إحداث حقيبة وزارية أو مديرية مستقلة للإشراف على مالية والصفقات العمومية الخاصة بالمجالس المنتخبة، وتقنين عمليات تسليم الرخص بعيدا عن التلاعبات وعمليات النصب والابتزاز، فلماذا لا يتم توسيع دائرة ومهام مديرية الجماعات المحلية التابعة لوزارة الداخلية، وإحداث مديريات إقليمية وجهوية تابعة لها مهمتها الإشراف على الصفقات العمومية الخاصة بالمجالس المنتخبة، وتتبع الأشغال؟ ألا يكفي لتلك المجالس أن تقترح ما تريد من مشاريع وخدمات، وتصادق عليها في دورات عادية أو استثنائية، وتحويل تلك المقررات إلى السلطات المحلية التي تؤشر على المشروع منها، وتحوله إلى المديرية المعنية عوض إرجاعها إلى تلك المجالس التي تعبث بكل مساطرها؟

إن ما يضر بمالية وخدمات المجالس المنتخبة بكل أنواعها (مجالس الجماعات، مجالس العمالات والأقاليم، مجالس الجهات، الغرف المهنية…) يكمن في التلاعبات التي يمارسها بعض رؤساء تلك المجالس ومكاتبها المسيرة لتمرير الصفقات العمومية الخاصة بالمشاريع المقررة داخل ترابها، و”البونات” الخاصة بالوقود والمشاريع والخدمات الصغرى التي تمرر للأقرباء والموالين، وكذا التلاعبات في منح الرخص الخاصة بالبناء والاستغلال، وغيرها من الرخص التي تمكن المستفيدين منها من الحصول على أرباح طائلة تقود بعضهم إلى المبادرة بتقديم رشاوي مالية مقابل تحقيقها بغض النظر عن مدى مشروعيتها، فلو تم إبعاد المنتخبين عن الصرف المباشر لميزانية الجماعات، لما وزع المال خلال الحملات الانتخابية، ولما بادر الفاسدون إلى الترشح.

بقلم: بوشعيب حمراوي

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬345