سوس ماسة: شوارع تعج بالمرضى النفسيين ومستشفيات تعاني الاكتظاظ.. دعوة عاجلة لتدخل الدولة

تعيش مدن جهة سوس ماسة، وعلى رأسها تزنيت وإنزكان، واقعًا مقلقًا يتمثل في تزايد أعداد المرضى النفسيين والمختلين عقليًا في الشوارع والأماكن العامة. هذا المشهد لا يعكس رفض المستشفيات استقبال المرضى، بل هو مؤشر صارخ على فراغ مؤسساتي واسع واكتظاظ مزمن في المصالح القليلة المخصصة للطب النفسي بالجهة، مما يستدعي تدخلًا حكوميًا عاجلًا وشاملًا.

طاقة استيعابية ضعيفة في مواجهة أزمة متنامية
إن المشكلة الحقيقية تكمن في ضعف القدرة الاستيعابية لمصلحة الطب النفسي بمستشفى الحسن الأول بتزنيت والمستشفى الإقليمي بإنزكان، وهما المصلحتان الوحيدتان اللتان تقدمان هذه الخدمة في جهة سوس ماسة بأكملها. هذا الضغط الهائل يؤدي إلى اكتظاظ مزمن، ويحول دون توفير الرعاية الكافية للمرضى، مما يدفع بالعديد منهم إلى الشوارع.

في المقابل، تشهد الشوارع والأماكن العامة بمدن سوس انتشارًا لافتًا لأشخاص يعانون من اضطرابات نفسية حادة. هؤلاء الأفراد، الذين هم في أمس الحاجة للرعاية والدعم، يشكلون خطرًا محتملاً على أنفسهم وعلى محيطهم. فالحوادث المتفرقة لمحاولات الاعتداء أو التهديد اللفظي والجسدي من قبل المرضى النفسيين، فضلاً عن الاعتداءات ضد الأصول، لم تعد أحداثًا استثنائية، بل أصبحت جزءًا من الواقع اليومي، مما يستدعي تدخلاً سريعًا ومباشرًا لاحتواء هذه الظاهرة المتفاقمة.

غياب المصالح الكافية ومعاناة مستمرة للأسر
كشفت مصادر طبية محلية أن مستشفيات الجهة تفتقر إلى مصالح كافية ومتخصصة في الطب النفسي، وأن الطاقة الاستيعابية الحالية لا تكفي لاستيعاب الحالات المزمنة والمتزايدة. هذا النقص الحاد في البنية التحتية يدفع بأهالي المرضى إلى معاناة مضاعفة، حيث يضطرون غالبًا إلى نقل ذويهم نحو مستشفيات بعيدة في مراكش أو الدار البيضاء. هذه الرحلات الشاقة والمكلفة، بالإضافة إلى قلة الإمكانيات المادية، تؤثر سلبًا على استمرارية العلاج وفعاليته، وتزيد من العبء على الأسر المتضررة.

دعوة عاجلة للدولة: استراتيجية وطنية لمواجهة الأزمة
إن استمرار هذا الوضع يمثل تهديدًا جسيمًا للأمن الصحي والاجتماعي بمدن جهة سوس ماسة. فغياب استراتيجية واضحة وشاملة للتكفل بالأشخاص المصابين باضطرابات عقلية ونفسية يجعل المجتمع بأكمله في مواجهة تحديات خطيرة.

على الدولة أن تتدخل بشكل عاجل وفوري لمعالجة هذا الخلل المؤسساتي. لا يمكن ترك هذه الفئة الهشة من المجتمع عرضة للإهمال والمخاطر. يتطلب الأمر:

توسيع الطاقة الاستيعابية لمصالح الطب النفسي في المستشفيات القائمة.
إنشاء مستشفيات ومراكز متخصصة جديدة في الطب النفسي على مستوى الجهة.
توفير الكوادر الطبية والتمريضية المتخصصة في هذا المجال.
تطوير برامج دعم نفسية واجتماعية للمرضى وأسرهم، وتسهيل وصولهم للعلاج.
تبني سياسات وقائية للحد من انتشار الاضطرابات النفسية.
تفعيل دور المجتمع المدني في التوعية والدعم.
إن صحة المواطنين وسلامة المجتمع مسؤولية جماعية، وفي هذا السياق، تقع المسؤولية الأكبر على عاتق الدولة لوضع حد لهذه الأزمة المتفاقمة وضمان حق كل فرد في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، بما في ذلك الصحة النفسية والعقلية. حان الوقت لكي تضيء مصابيح الأمل في دروب هذه الفئة المنسية، بدلًا من تركها في عتمة الإهمال والمعاناة.

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬347

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *