في مشهد إنساني لافت، كسر عدد من المؤثرين الجزائريين على منصات التواصل الاجتماعي جدار التضليل الذي دأبت بعض المنابر الإعلامية الرسمية في بلادهم على تشييده، وذلك بعدما وثّقوا بالصوت والصورة الاستقبال الحار الذي حظي به الجزائريون في المغرب، تزامناً مع بطولة كأس أمم أفريقيا.
هؤلاء المؤثرون، الذين دخلوا المغرب وهم يحملون – ربما – بعض الأحكام المسبقة التي غذّتها خطابات إعلامية مشحونة، وجدوا أنفسهم أمام واقع مغاير تماماً لما رُوّج له لسنوات؛ واقعٍ عنوانه المحبة، والتقدير، والتلقائية في التعامل، بعيداً عن أي تصنّع أو توجيه مسبق.
ففي شوارع المدن المغربية، وفي المقاهي والمطاعم، وعلى جنبات الملاعب، لم يكن الجزائري ضيفاً عادياً، بل أخاً مرحباً به. وقد أجمعت شهادات متطابقة نقلها هؤلاء المؤثرون على أن كثيراً من المغاربة أصرّوا على تحمّل تكاليف وجباتهم ومشروباتهم بمجرد معرفة جنسيتهم الجزائرية؛ في تعبير عفوي عن كرم ضارب في عمق الثقافة المغربية، وعن روابط إنسانية أقوى من كل محاولات التفرقة.
واللافت في هذه الشهادات، التي حصدت نسب مشاهدة وتفاعل مرتفعة داخل الجزائر وخارجها، أنها جاءت خالية من أي خطاب سياسي أو شعارات رنانة، بل نبعت من تجربة معيشة واحتكاك مباشر بالناس. والأجمل من ذلك، كما أكد أكثر من مؤثر، أن هذا التعامل لم يكن نتيجة تعليمات رسمية أو حملات موجهة، بل كان سلوكاً طبيعياً نابعاً من “الأعماق”، ومن قناعة راسخة لدى المواطن المغربي بأن الشعوب أسمى من الخلافات، وأعمق من الحسابات الضيقة.
لقد تحوّل هؤلاء المؤثرون، دون تخطيط مسبق، إلى شهود على حقيقة طالما حاولت بعض الأصوات طمسها: وهي أن العلاقة بين الشعبين المغربي والجزائري لا تختزلها العناوين المتشنجة ولا النشرات الموجهة، بل تصنعها التفاصيل اليومية، والابتسامة الصادقة، وموائد الكرم، والروح الرياضية التي جمعت الجماهير حول كرة القدم كقاسم مشترك يوحد ولا يفرق.
إن ما قام به هؤلاء المؤثرون لا يمكن اعتباره مجرد محتوى عابر، بل هو فعل تصحيحي بامتياز، أعاد الاعتبار لقوة الإعلام البديل حين يكون صادقاً، وكشف في الوقت ذاته هشاشة خطاب التضليل أمام الواقع المعاش. فصورة مواطن مغربي يصر على دفع حساب ضيفه الجزائري، أو شاب جزائري يعبر عن دهشته من حجم المحبة التي لقيها، هي أبلغ أثراً من مئات الافتتاحيات المعبأة.
وفي زمن تتسارع فيه الأخبار الزائفة، ويُستغل فيه الإعلام أحياناً لتغذية القطيعة، تأتي مثل هذه الشهادات لتؤكد أن الشعوب، حين تلتقي دون وسطاء، قادرة على إسقاط الجدران الوهمية وبناء جسور من الثقة والأخوة. وهي رسالة واضحة مفادها أن ما يجمع المغاربة والجزائريين أعمق بكثير مما يُروج له، وأن دفء الاستقبال في المغرب خلال “الكان” لم يكن استثناءً ظرفياً، بل انعكاساً لروح متجذرة لا تحتاج إلى تعليمات… لأنها ببساطة نابعة من القلب.
A.Bout














