“إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً”: مفتاح الخطاب الملكي ومرحلة الحسم الجديدة في قضية الصحراء

افتتح جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، خطابه السامي الموجه إلى الأمة مساء الجمعة، بآية قرآنية عظيمة ذات دلالة عميقة: “إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً” (سورة الفتح، الآية 1). لم يكن هذا الافتتاح مجرد تبرك بالقرآن الكريم، بل كان بمثابة إعلان استراتيجي وبشائر خير تطلق مرحلة جديدة وحاسمة في مسار قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية.

 الدلالة القرآنية والزخم التاريخي
الآية الكريمة، التي نزلت في سياق صلح الحديبية الذي اعتبره القرآن الكريم “فتحاً مبيناً” لما ترتب عليه من نتائج عظيمة لصالح الدعوة الإسلامية، جاءت لتستمد منها الرؤية الملكية قوة العزم واليقين بالنصر. باستخدام هذه الآية، ربط جلالة الملك التحول التاريخي الحالي في قضية الصحراء المغربية بمفهوم الفتح الإلهي الذي يتجاوز مجرد النصر العسكري أو السياسي، ليجسد إنجازاً شاملاً وواضحاً، يفتح الأبواب أمام مستقبل مشرق.

وقد جسد جلالته هذا المعنى فوراً بالإشارة إلى أن المغرب يبدأ “بعون الله وتوفيقه، فتحاً جديداً، في مسار ترسيخ مغربية الصحراء، والطي النهائي لهذا النزاع المفتعل، في إطار حل توافقي، على أساس مبادرة الحكم الذاتي”. هذا الربط يشير إلى أن ما تحقق ليس وليد الصدفة، بل هو ثمرة جهد مبارك بتوفيق إلهي، ويضع القضية في إطار إيماني ووطني راسخ.

 من التدبير إلى الحسم: “ما قبل 31 أكتوبر وما بعده”
كانت الآية بمثابة نقطة انطلاق للتأكيد على دخول المغرب في “مرحلة فاصلة، ومنعطف حاسم، في تاريخ المغرب الحديث”، مشدداً على مقولة: “فهناك ما قبل 31 أكتوبر 2025، وهناك ما بعده”. هذا التأكيد يعكس إيمان القيادة المغربية بأن الجهود المتراكمة، والتضحيات التي امتدت لخمسين سنة، والدينامية الدبلوماسية الأخيرة، قد بلغت ذروتها ليتحقق فعلاً الفتح المبين.

 مؤشرات “الفتح المبين” في الخطاب
تجلت معالم هذا “الفتح” في محاور الخطاب الرئيسية:

الاعتراف الدولي المتزايد: إشارة جلالته إلى أن ثلثي دول الأمم المتحدة باتت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي هي الإطار الوحيد للحل، وتزايد الاعتراف بالسيادة الاقتصادية للمملكة على الأقاليم الجنوبية من قبل القوى الكبرى، كلها شواهد على تحول استراتيجي يوازي “الفتح المبين”.

قرار مجلس الأمن: تحديد الخطاب للقرار الأممي الأخير كـ”مرحلة الحسم” على المستوى الأممي، الذي حدد المبادئ والمرتكزات لإيجاد حل سياسي نهائي، يؤكد على انتقال الملف من مرحلة الجدل إلى مرحلة التنفيذ والحل الواقعي.

تحديث مبادرة الحكم الذاتي: الإعلان عن تحيين وتفصيل المبادرة وتقديمها للأمم المتحدة لتكون “الأساس الوحيد للتفاوض” هو خطوة حاسمة لا تقبل التأويل، وتؤكد على موقف الثقة والقوة.

 دعوة إلى لم الشمل وتجاوز الخلاف
المفارقة الجميلة في مفهوم الفتح في الخطاب هي أنه لم يأت بصيغة انتصار طرف على طرف، بل بصيغة حفظ ماء الوجه للجميع. ففي سياق الفتح الأبين، وجه جلالته نداءً صادقاً لإخواننا في مخيمات تندوف للعودة إلى وطنهم والمساهمة في تنميته في إطار المغرب الموحد، مؤكداً على مبدأ المساواة بين جميع المغاربة. كما وجه دعوة أخوية صريحة للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، لحوار صادق، تأكيداً على أن هذا الفتح هو أيضاً فتح للسلام الإقليمي والتعاون المغاربي.

 الآية الكريمة “إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً” لم تكن مجرد اقتباس، بل كانت بوصلة تسترشد بها القيادة المغربية لتؤكد أن المغرب، وقد استوفى شروط “الفتح”، يدخل اليوم، من طنجة إلى الكويرة، إلى مرحلة لا عودة فيها عن سيادته ووحدته الترابية، فاتحاً أبواب الأمل والاستقرار لشعبه وللمنطقة بأكملها.

الأخبار ذات الصلة

1 من 922