تستعد جماعة سيدي عبد الله البوشواري، قلب إقليم اشتوكة آيت باها، لاحتضان فعاليات الدورة الرابعة من المهرجان الإقليمي “تزرزيت لفن أجماك” في الفترة الممتدة من 13 إلى 17 غشت 2025. يُرفع هذا العام شعار طموح: “فن أجماك… من عمق التراث إلى آفاق التنمية”، واعداً ببرنامج حافل يجمع بين معرض للمنتوجات المجالية، وموسم التبوريدة “أموال”، وسهرات فنية يحييها ألمع نجوم فن الروايس والأغنية الأمازيغية كسعيد اسمغور، والحسين الطاوس، والرايس اعراب اتيكي، ومجموعة أمود اودادن، إلى جانب ندوات ثقافية وتكريمات.
لكن خلف بريق الأضواء وصخب الاحتفالات، يعود المهرجان في سياق محلي متأزم، يطرح تساؤلات أعمق من مجرد الاحتفاء الفني. يأتي تنظيم هذا الحدث في ذروة فصل الصيف، في وقت تئن فيه المنطقة تحت وطأة ندرة حادة في الموارد المائية، مما يجعل مظاهر البذخ الاحتفالي تبدو نشازاً في واقع يسيطر عليه شبح العطش.
تجاهل الأولويات وتناقض مع التوجيهات الملكية
من المرتقب أن يشهد المهرجان حضوراً رسمياً لافتاً، يتقدمه رئيس المجلس الإقليمي وبرلمانيون ورئيس المجلس الجماعي لسيدي عبد الله البوشواري. هذا الحضور يضعهم في مواجهة مباشرة مع الرأي العام المحلي، الذي يتساءل عن مدى استيعاب هؤلاء المسؤولين لمضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 26 لعيد العرش، والذي شكل خارطة طريق واضحة للتنمية الحقيقية.
فقد شدد جلالة الملك محمد السادس على أن التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية تفقد قيمتها إن لم “تساهم، بشكل ملموس، في تحسين ظروف عيش المواطنين”. وأشار جلالته بوضوح إلى أن مناطق، “لا سيما بالعالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية”، مؤكداً أنه “لا مكان اليوم ولا غدا لمغرب يسير بسرعتين”. ودعا الخطاب الملكي إلى “إحداث نقلة حقيقية في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية”.
أمام هذه التوجيهات السامية، كيف يمكن تبرير إنفاق أموال طائلة على مهرجان فني في منطقة تعاني من نقص في أبسط أساسيات العيش الكريم، وعلى رأسها الماء؟ أليس هذا تكريساً لـ”مغرب السرعتين” الذي رفضه جلالة الملك؟
شبح نسخة 2024: سجل حافل بالخروقات القانونية
ما يزيد من حدة الجدل هو السجل الإشكالي للنسخ السابقة، وتحديداً نسخة 2024 التي تحولت إلى نموذج فجٍّ لتجاوز القانون وإهدار المال العام. فبحسب تحقيق قانوني مفصل، شكلت دورة العام الماضي سلسلة من الخروقات الإدارية والمالية الجسيمة.
اليوم، ومع انطلاق الدورة الرابعة، تبقى الأسئلة المشروعة معلقة: ماذا استفادت ساكنة سيدي عبد الله البوشواري من ملايين الدراهم التي أُنفقت في الدورات السابقة؟
إن شعار “من عمق التراث إلى آفاق التنمية” لن يتحقق إلا حين يصبح احترام القانون، والشفافية في التدبير، والاستجابة للأولويات الحقيقية للمواطنين هي الأساس الذي تُبنى عليه كل المبادرات. أما الاستمرار في تنظيم مهرجانات باذخة بينما يعاني الناس من العطش وتفتقر المنطقة للبنيات الأساسية، فليس سوى تكريس للفجوة بين خطاب المسؤولين وواقع المواطنين، وتجاهل صارخ لجوهر التوجيهات الملكية السامية التي تضع الإنسان أولاً وأخيراً في قلب كل تنمية.