لغة الجسد تفضح ما تخفيه الكلمات: حينما يتحدث المنتخب ووجهه يقول غير ذلك

في مشهد يتكرر كثيراً في المجالس المنتخبة، وأمام عدسات الكاميرا أو في لقاءات رسمية وشبه رسمية، يقف بعض المنتخبين ليخاطبوا الرأي العام بلغة تبدو، ظاهرياً، واثقة ومتماسكة. لكن نظراتهم، حركات أيديهم، شدّات الفم، وتوتر الحاجبين، تروي حكاية أخرى… حكاية قد تفضح ما لا يريدون قوله أو ما يحاولون إخفاءه.

ففي إحدى الخرجات الاخيرة لاحد المنتخبين، شدّ انتباه الحاضرين طريقة تفاعله حيث، وعلى الرغم من محاولات ضبط النفس، فإن لغة الجسد كانت تكشف أكثر بكثير مما قيل.

المنتخب كان يتجنب النظر إلى أعين مخاطبيه بشكل متكرر. نظره المتقطع، ورمشاته المتتابعة، وتحريك عينيه باستمرار إلى اليمين ثم للأسفل، كانت كافية لإثارة شكوك متابعيه: هل هو متوتر؟ هل هناك شيء يخفيه؟ هل هو واثق حقاً مما يقول؟ علم النفس السلوكي يجيب: في الغالب لا.

منتخب آخر، معروف بتصريحاته الحادة في وسائل التواصل الاجتماعي، اكتفى بجمل قصيرة وهو يبتسم ابتسامة مائلة لم تصل إلى عينيه. كانت ابتسامته تلك تبدو أقرب إلى الدفاع عن النفس منها إلى الثقة. شدّ على شفتيه أكثر من مرة، بلع ريقه في لحظات حاسمة من الحديث، وهي علامات فاضحة لمن يفهم الرسائل غير المنطوقة التي تبثها تعبيرات الوجه.

الحاجبان يحكيان الكثير

في مداخلة حاول فيها أحد المنتخبين تبرير تأخر تنفيذ مشروع تنموي، بدا الحاجبان مشدودين إلى الداخل، في وضع يشير إلى التوتر والضغط الداخلي. ورغم نبرة الصوت التي سعى لجعلها هادئة، فإن تعابير وجهه كانت تقول العكس: دفاع مضطرب، لا قناعة تامة بما يبرر.

“لغة الجسد” أصبحت دليلاً موازياً

في زمن الصورة والبث المباشر، لم تعد الكلمات وحدها كافية لإقناع المتابعين. المشاهد العادي اليوم بات يميز بين الكلام المقنع، والكلام الذي “ينطق به الجسد رفضاً”. وما حدث في الجلسات الأخيرة لبعض المجالس المنتخبة، خصوصاً حين تزامنت مع شكايات قضائية، خلافات داخلية، أو مواجهات بين الأغلبية والمعارضة، يُظهر أن لغة الجسد لم تعد مجرد تفاصيل عابرة، بل أصبحت مرآة حقيقية تكشف النوايا وتفضح التناقضات.

السياسي بين الكاريزما والتوتر

لا يمكن لأي منتخب أن يخفي حقيقة شعوره بالكامل. فالوجه، بخلاف ما يُعتقد، لا يمكن تدريبه بسهولة على الكذب. وحتى أكثر السياسيين تمرساً، قد يخذله حاجبه أو رعشة في شفته، أو ارتعاشة في ذقنه لحظة حرج أو هجوم مفاجئ.

ومع تزايد اهتمام المواطنين بـ “كيف يقول السياسي ما يقول؟”، أصبح ضرورياً، ليس فقط أن يكون الخطاب السياسي نزيهاً، بل أن يكون منسجماً في نبرته وتعابيره وأسلوبه مع حقيقته. فلا جدوى من تبريرات محفوظة إن كانت عضلات الوجه تفضح التوتر، أو كانت العيون تفضح الخوف.

الصدق له ملامح

السياسة ليست فقط بلاغة، بل هي صدق… والصدق لا يحتاج لتعديل في الوجه. أما حين تتحول المداخلات إلى استعراض دفاعي، وتبدأ الملامح في التقلص والتوتر والتهرب البصري، فحينها يعرف المواطن جيداً أن ما يُقال ليس بالضرورة ما يُقصَد.

فلغة الجسد اليوم، في حضرة الوعي الشعبي المتزايد، أصبحت مثل وثيقة غير مكتوبة… لكنها أصدق كثيراً من الخطب الرنانة.

A.Bout

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬215

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *