فضيحة برلمانية: 333 نائباً يغيبون عن التصويت على قانون المسطرة الجنائية

في سابقة تثير أكثر من تساؤل حول جودة الممارسة البرلمانية وعمق التزام النواب بمهامهم الدستورية، صادق مجلس النواب المغربي في قراءة ثانية على مشروع قانون بالغ الأهمية، هو مشروع القانون رقم 03.23 المتعلق بتعديل وتتميم قانون المسطرة الجنائية، وسط غياب مدو لـ333 نائبا من أصل 395، أي ما يعادل حوالي 85% من أعضاء الغرفة الأولى للبرلمان.

رغم حساسية النص القانوني المطروح، والذي يهم جوهر العدالة الجنائية، تم التصويت على مشروع القانون، الذي يعد من أهم القوانين خلال هذه الدورة، بعد موافقة 47 نائبا برلمانيا، مقابل معارضته من طرف 15 نائبا، دون تسجيل أي تصويت بالامتناع، وذلك في غياب 333 نائبا برلمانيا، ما يشكل نسبة 85 في المائة من أعضاء مجلس النواب، الأمر الذي يسائل جدية والتزام نواب الأمة.

هذا السلوك البرلماني، الذي تكرر أيضاً بمجلس المستشارين ولو بنسبة أقل، يكشف عن أزمة عميقة في تمثيلية النواب لدورهم الأساسي: التعبير عن الإرادة الشعبية والمشاركة الفعلية في صنع القرار التشريعي.

البرلمان، وفق الدستور، مؤسسة تمثيلية يفترض أن تعكس إرادة المواطنين الذين انتخبوا أعضاءه للترافع عن قضاياهم، والرقابة على الحكومة، والمشاركة في سن القوانين. غياب أكثر من ثلاثة أرباع النواب خلال جلسة تصويت على قانون يمس حرية الأفراد، ويضبط العلاقة بين المواطنين والجهاز القضائي، ليس فقط استخفافاً بمسؤوليتهم، بل هو أيضاً خرق أخلاقي لمبدأ التمثيلية الديمقراطية.

إذا كان القانون يُعد من الأدوات الأساسية لتنظيم الحياة العامة، فإن تقاعس المشرعين عن الانخراط الجاد في صياغته ومناقشته يفقده جزءاً من مشروعيته الأخلاقية والسياسية. والأسوأ، أن هذا العزوف يمر بصمت رسمي، دون توبيخ داخلي أو آلية محاسبة للممتنعين.

المؤسف أن هذا الغياب لم يكن ظرفيا ولا مرتبطاً بأي ظرف طارئ أو سياسي، بل أصبح ممارسة روتينية لدى عدد كبير من النواب، خصوصاً عند مناقشة نصوص معقدة أو ذات طابع تقني، كما هو الحال مع قوانين المسطرة الجنائية، أو القوانين المالية، أو تلك التي تمس منظومة الحريات.

ففي ظل غياب آليات الزجر أو الحوافز للرفع من نسب الحضور والمشاركة الفعلية، تحول البرلمان إلى فضاء شكلي لإضفاء الشرعية على قوانين مصيرية، تمررها أقلية نشطة في غياب الأغلبية الصامتة أو المتقاعسة.

هذا المشهد يعكس أيضا أزمة ثقة بين المواطنين وممثليهم، ويغذي الانطباع الشعبي السائد بأن “البرلمان بلا فائدة”، مما يهدد بانكماش المشاركة السياسية مستقبلا، سواء في الانتخابات أو في التفاعل مع العمل التشريعي.

وإذا كانت الإرادة السياسية الرسمية تعبر عن رغبة في “تحديث العدالة” و”تعزيز الحقوق والحريات”، فإن ترجمة ذلك إلى قوانين تمر وسط عزوف جماعي من المشرعين لا يخدم هذه الأجندة الإصلاحية. فمشروع إصلاح العدالة، كي ينجح، يحتاج أولا إلى برلمان يمارس صلاحياته بجدّية، لا إلى “نصاب قانوني” بالكاد يحقق الحد الأدنى.

إن ما وقع في جلسة التصويت على تعديل قانون المسطرة الجنائية يطرح بإلحاح الحاجة إلى إعادة النظر في أسلوب اشتغال المؤسسة البرلمانية، وضرورة سن تدابير عملية للحد من ظاهرة الغياب المتكرر، سواء عبر الخصم من التعويضات أو عبر نشر لوائح الحضور بشكل دوري أمام الرأي العام.

لأن الديمقراطية لا تقاس فقط بعدد القوانين التي يتم تمريرها، بل بكيفية تمريرها، وبمن يصوت عليها، وكم من صوت غائب ترك فراغا في التشريع، وخذل من انتخبه.

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 855

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *