البرلمانيون “السلايتية” يعودون إلى الواجهة مع حرارة الصيف… استجمام موسمي وغياب دائم عن هموم المواطنين

مع بداية فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تطفو على السطح من جديد ظاهرة تثير الكثير من الجدل والسخط في أوساط الرأي العام ، خاصة في مناطق مثل إقليم اشتوكة آيت باها. يتعلق الأمر بما يُعرف في الخطاب الشعبي بـ”البرلمانيين السلايتية”، وهو توصيف ساخر يطلقه المواطنون على فئة من نواب الأمة الذين يغيبون طيلة السنة عن قبة البرلمان ودوائرهم الانتخابية، ثم يظهرون فجأة خلال العطلة الصيفية، إما للاستجمام أو لالتقاط الصور في المطاعم والمقاهي، بعيدًا عن أي تواصل جدي مع المواطنين أو حضور فعلي في قضاياهم اليومية.

“جايين غير يدوزو الصيف”… استهتار أم خلل هيكلي؟

الجملة التي تتكرر على ألسنة المواطنين في اشتوكة آيت باها ومناطق أخرى – “جايين غير يدوزو الصيف” – ليست مجرد تعبير عفوي، بل صارت توصيفًا دقيقًا لحالة من التسيب واللامبالاة التي تطبع أداء بعض المنتخبين الذين، ما إن يحوزوا على المقعد البرلماني، حتى ينقلبوا على كل وعودهم الانتخابية، وينقطعون عن قواعدهم الشعبية. المواطنون يعتبرون هذا السلوك استخفافًا بثقتهم، وتحقيرًا لمبدأ التمثيلية، وضربًا لأدوار الترافع والمراقبة التي من المفترض أن يؤديها النواب في كل مراحل الولاية التشريعية.

برلمان صيفي ودوائر انتخابية مهجورة

في غياب حضور مستمر لهؤلاء البرلمانيين، تتحول العديد من الدوائر الانتخابية إلى مناطق منسية، لا يُتابع فيها تنفيذ المشاريع، ولا تُسمع فيها أصوات ترفع مشاكل المواطنين إلى الجهات المختصة. والمفارقة أن البعض من هؤلاء النواب لا يظهر إلا في مواسم معينة، مرتبطة غالبًا بالانتخابات أو بإجازاتهم الصيفية التي يقضونها في “الاستجمام” داخل فيلات فاخرة أو على شواطئ المنطقة، بينما تظل الساكنة غارقة في مشاكل الصحة والبنية التحتية والتعليم والتهميش.

غياب المحاسبة يعمق الأزمة

ويرى مهتمون بالشأن العام أن هذه الظاهرة تكشف خللًا بنيويًا في العلاقة بين الناخب والمنتخب، وفي آليات مراقبة أداء الممثلين داخل المؤسسة التشريعية. فرغم أن البرلمان يُفترض أن يخضع لمراقبة داخلية من طرف فرقه وهيئاته، إلا أن بعض النواب يفلتون من المتابعة، بسبب تواطؤات حزبية أو لاعتبارات سياسية ضيقة. لذلك تتعالى الأصوات المطالبة بتفعيل تقارير تقييم الأداء البرلماني، وإلزام الأحزاب بمحاسبة ممثليها، بل والعمل على عدم إعادة ترشيح من ثبت فشلهم أو غيابهم المتكرر.

الكرة في ملعب المواطن أيضًا

لكن اللوم لا يُلقى فقط على “السلايتية”، فالمواطن بدوره يتحمل جزءًا من المسؤولية. فالاختيارات الانتخابية التي تُبنى على الولاءات العائلية أو الوعود الفارغة، بدلًا من الكفاءة والنزاهة والحضور الفعلي، تفرز نوابًا يفتقدون لروح المسؤولية. ومن ثم، فإن إعادة الاعتبار للعمل السياسي تبدأ من لحظة الاقتراع، حين يُصوت المواطن بوعي ومسؤولية، بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو العواطف اللحظية.

من أجل برلمان يحترم ذكاء المغاربة

إن استمرار هذه الممارسات يسيء إلى صورة البرلمان كمؤسسة دستورية، ويُضعف ثقة المواطن في العمل السياسي برمته. لذلك، فإن المرحلة تستدعي نقاشًا وطنيًا جديًا حول سبل تجويد التمثيلية البرلمانية، وضمان الحد الأدنى من الالتزام، بل وفتح ورش التفكير في آليات دستورية وقانونية لربط المسؤولية بالمحاسبة داخل المؤسسة التشريعية.

فالمغاربة لم يعودوا يقبلون ببرلمانيين موسميين، يطلّون فقط في الصيف، ثم يختفون في باقي الفصول. لقد حان الوقت لاستعادة ثقة المواطن في ممثليه، والقطع مع السلوكيات التي جعلت من العمل السياسي مرادفًا للامتياز لا للخدمة.

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬035

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *