الصيد البحري بين المغرب وموريتانيا: شراكة استراتيجية لمواجهة التحديات وتحقيق التنمية

يعد التعاون بين المغرب وموريتانيا في مجال الصيد البحري خيارا استراتيجيا تفرضه المعطيات الاقتصادية والجغرافية والبيئية المشتركة بين البلدين. فإبرام بروتوكول اتفاق بين المكتب الوطني للصيد والشركة الموريتانية لتسويق الأسماك، مؤخرا بالدار البيضاء، لا يمكن قراءته في سياق تقني صرف، بل ينظر إليه كخطوة تعكس إرادة سياسية واضحة لبناء شراكة متكاملة في قطاع يعتبر من أبرز روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدى الطرفين.

إن قطاع الصيد البحري يشكل ركيزة حيوية في كل من المغرب وموريتانيا، حيث يسهم بشكل كبير في خلق فرص الشغل وتأمين موارد مالية مهمة من خلال التصدير نحو الأسواق الدولية.

كما أن البلدين يتوفران على واجهتين بحريتين استثنائيتين على المحيط الأطلسي، تزخران بثروات سمكية متنوعة، ما يعزز فرص التكامل بدل التنافس. ومن هذا المنطلق، فإن التنسيق الثنائي في تدبير هذا القطاع من شأنه أن يدعم المردودية الاقتصادية ويعزز الاستدامة البيئية.

ويكتسي الاتفاق أهمية خاصة بالنظر إلى التحديات المشتركة التي تواجهها المنطقة، وعلى رأسها الاستغلال المفرط للموارد البحرية، وتغير المناخ، والتلوث، مما يفرض وضع آليات مشتركة للمراقبة، والبحث العلمي، وتبادل البيانات، من أجل حماية النظم البيئية البحرية وضمان استدامة المصايد. كما أن تبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا، خاصة في ما يتعلق بتدبير أسواق السمك والحاويات الموحدة، من شأنه أن يعود بالنفع على البنيات التحتية المرتبطة بسلاسل التوزيع والتسويق، ويعزز من تنافسية المنتجات البحرية في الأسواق العالمية.

ويلاحظ أن المغرب راكم خلال السنوات الماضية تجربة نوعية في تحديث بنياته المينائية، وتدبير فضاءات التسويق البحري، وتأهيل الموارد البشرية، وهي تجربة يمكن أن تستفيد منها موريتانيا ضمن مقاربة رابح-رابح، تضع في صلبها التكوين وتعزيز القدرات المؤسساتية. كما أن الاتفاق يتيح للطرفين إمكانية توحيد الجهود لمواجهة الضغوط الدولية المتزايدة على الثروات البحرية الإفريقية، خاصة من قبل الشركات الأجنبية، عبر بلورة مواقف تفاوضية منسقة تحقق مصالحهما الوطنية وتحمي سيادتهما على مواردهما الطبيعية.

إن ما يضفي طابعا استراتيجيا على هذا الاتفاق ليس فقط الأبعاد الاقتصادية والتقنية، وإنما كونه يجسد رؤية تكاملية بين بلدين جارين، يجمعهما تاريخ مشترك وروابط إنسانية عميقة. كما يعكس حرصًا على التأسيس لنموذج تعاون إقليمي ناجح في غرب إفريقيا، يقوم على تقاسم المعرفة وتوحيد الرؤى، بدل الدخول في منافسات استنزافية.

وفي هذا الإطار، يمكن اعتبار هذا التعاون خطوة أولى نحو خلق فضاء بحري مشترك، يربط بين الكفاءات الوطنية والتحديات المشتركة، ويضع القطاع في صلب سياسات التنمية المستدامة التي تستفيد منها الأجيال الحالية والمقبلة.

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬351

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *