تعيش منطقة اشتوكة آيت باها لحظة مفصلية مع تعيين السيد سالم السبطي عاملاً جديداً على الإقليم، خلفاً لسلفه الذي ارتبط اسمه بفترة اتسمت، وفق عدد من المتابعين، بترسيخ سياسة الولاءات والشكر والتقدير بدل المحاسبة والمردودية. وهي ممارسة لم تُفضِ سوى إلى تكريس واقع محلي تغيب فيه الدينامية التنموية الحقيقية، وتُقصى فيه الكفاءات لفائدة “نخب التشبيب الموجه” أو “نخب الصمت”، كما سماها البعض، في ظل هيمنة منطق المجاملة بدل الجدوى.
مرحلة جديدة… أم إعادة إنتاج الماضي؟
الوضع الجديد يبعث على التفاؤل، خاصة أن تعيين العامل الجديد جاء في سياق وطني يدفع نحو الرفع من فعالية الإدارة الترابية، وتعزيز أدوار المنتخبين، وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة. وهو ما يجعل من المرحلة القادمة امتحاناً حقيقياً لنوايا التغيير ومدى قدرة مختلف الفاعلين المحليين على القطع مع منطق “الشكر والمديح” الذي ميز العلاقات بين السلطة والمنتخبين في السابق، وعرقل مسار التنمية بالإقليم.
مسؤولية جماعية وتشاركية لا تستثني أحداً
الشعار المرفوع اليوم هو “المسؤولية المشتركة”، أي وعي جماعي بضرورة تقاسم أعباء التغيير بين الإدارة الترابية، المجالس المنتخبة، المجتمع المدني، والقطاع الخاص، وحتى المواطنين. فتنمية اشتوكة لا يمكن أن تتحقق بمنطق المركزية أو التعليمات، بل بمقاربة تشاركية تُعيد الثقة بين المؤسسات وتضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار.
لكن هذا لن يتحقق دون تصفية الأجواء السياسية المحلية، وإعادة الاعتبار لمفهوم الكفاءة والاستحقاق في التعيينات والمسؤوليات، ووضع حد لثقافة “رضى السلطة” كممر للترقي السياسي أو الجمعوي.
من “التشبيب” إلى “التثبيت”… ومن “الإنصات” إلى “الإنجاز”
لقد آن الأوان لتجاوز منطق “تشبيب الوجوه” على حساب الكفاءة، ذلك أن التجديد المطلوب ليس في الأعمار، بل في طرق التفكير والتدبير. شباب الإقليم اليوم بحاجة إلى فرص حقيقية لا إلى تمثيليات شكلية، وإلى مشاريع تلامس واقعهم لا إلى مهرجانات خطابة. التنمية ليست مجرد شعارات ترفع في المناسبات، بل رؤية متكاملة تستند إلى تخطيط دقيق، تعبئة مستدامة، وحكامة ناجعة.
لا تنمية دون محاسبة ولا مستقبل دون شفافية
أي مشروع تنموي في اشتوكة لن ينجح ما لم يتم القطع مع سياسة الإفلات من العقاب، وربط الدعم العمومي والتمويلات بالمردودية والنتائج الملموسة. كما يجب إعمال منطق التقييم الدوري للمشاريع، ومتابعة تنفيذها، وإشراك المواطن في تتبعها.
الشفافية هنا ليست مطلباً نخبوياً، بل أداة جوهرية لإعادة بناء الثقة، ووسيلة لتحصين الإقليم من عودة ممارسات الريع السياسي والإداري.
سؤال اللحظة: هل تملك النخبة الجديدة الجرأة؟
السؤال الذي يطرحه الشارع الاشتوكَي اليوم هو: هل تملك النخبة السياسية والإدارية الجديدة الجرأة الكافية للخروج من عباءة الولاءات وفتح صفحة جديدة عنوانها الصدق والفعالية والإنجاز؟ وهل تملك السلطة الإقليمية الإرادة السياسية لاحتضان هذا التحول ودعمه، بدل التحكم فيه أو تدجينه؟
المواطنون ينتظرون مؤشرات حقيقية على هذا التغيير: مشاريع تنموية ملموسة، حكامة جديدة في توزيع الاستثمارات، شفافية في تدبير الشأن العام، ومجالس منتخبة قريبة من انشغالاتهم اليومية.
لا مجال للعودة إلى الوراء
منطقة اشتوكة اليوم ليست كما كانت بالأمس. الوعي الشعبي ارتفع، وتحديات التنمية تفاقمت، والمحاسبة أضحت ممكنة في عصر الرقمنة والإعلام المستقل. لهذا، فإن أي تهاون في هذه اللحظة الحاسمة سيكون بمثابة تفريط في فرصة تاريخية لصياغة مستقبل أفضل لهذا الإقليم الحيوي.
الكرة الآن في ملعب الجميع: عامل الإقليم الجديد، المجالس المنتخبة، الإدارات العمومية، والمجتمع المدني. فإما أن نكتب فصلاً جديداً عنوانه “المصلحة العامة أولاً”، أو نستمر في اجترار منطق الولاءات والتبرير، وهو منطق لن يقود سوى إلى المزيد من التراجع والاحتقان.