في خضم الاستعدادات لدورات ماي العادية بالجماعات الترابية، تطفو على السطح ممارسات تثير علامات استفهام وتغذي الشكوك حول دوافع بعض الرؤساء. فبين تقارير تتحدث عن “هدايا” من نوع خاص تُقدم لمستشارين من الأغلبية والمعارضة، وأخرى ترصد محاولات لتمرير قرارات “مشبوهة”، يبدو أن المناخ الانتخابي بدأ يخيم بظلاله على تدبير الشأن المحلي قبل الأوان.
تكشف مصادر مطلعة عن تقاطر تقارير “الشؤون العامة” على وزارة الداخلية، تفيد بلجوء رؤساء جماعات في جهات الدار البيضاء-سطات ومراكش-آسفي والرباط-سلا-القنيطرة إلى أساليب ملتوية لاستمالة أعضاء مجالسهم. تتضمن هذه الأساليب كراء سيارات فاخرة لمستشارين نافذين، وضخ مبالغ مالية “تحت الطاولة” في جيوب آخرين. الهدف الظاهر، حسب التقارير، هو تليين مواقف المعارضة وتمرير أجندة الرؤساء بسلاسة خلال دورات ماي، خاصة تلك القرارات التي تحمل في طياتها مكاسب انتخابية وشخصية، مع اقتراب منتصف الولاية الانتخابية واستشعار قرب انتخابات 2026.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تمتد التحركات “الاستباقية” لرؤساء الجماعات إلى محاولة قطع الطريق على أي محاولات لتقديم ملتمسات استقالة ضدهم، والتي قد تلوح في الأفق بعد مرور ثلاث سنوات على ولاية المجلس، وفقًا للمادة 70 من القانون المنظم للجماعات. كما يلجأ بعض الرؤساء الذين يواجهون ملفات قضائية إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من المستشارين لتوفير “غطاء” في مواجهة أي محاولات لاستغلال هذه الملفات من قبل خصومهم السياسيين، في سياق ما يبدو أنها “تسخينات انتخابية” مبكرة.
وتشير المصادر ذاتها إلى سعي بعض الرؤساء لاستغلال دورات ماي لتمرير قرارات “تصحيحية” لبعض الاختلالات التي رصدتها تقارير سابقة للجان التفتيش التابعة لوزارة الداخلية والمجالس الجهوية للحسابات. ويبدو أن الهدف يتجاوز تحصين المناصب ضد خطر الإقالة، ليصل إلى إطلاق حملات انتخابية مبكرة عبر تفعيل مشاريع “مُجمدة” ذات تأثير اجتماعي، كوربط المنازل بالماء والكهرباء وتعبيد الطرق، والتي ظلت حبيسة الأدراج لسنوات.
وفي سياق متصل، تكشف تقارير تفتيش سابقة عن تورط رؤساء جماعات، بتواطؤ مع منعشين عقاريين، في استغلال دورات المجالس للضغط من أجل تغيير مسار مشاريع البنية التحتية الحيوية، مثل الإنارة العمومية والطرق وشبكات الماء والكهرباء، وتوجيهها نحو مناطق محددة. هذه المناطق غالبًا ما تكون عبارة عن أراض وعقارات قام هؤلاء الرؤساء بتجزئتها بعد تعديلات “مشبوهة” في تصاميم التهيئة، مما أدى إلى ارتفاع قيمتها بشكل كبير قبل تسويقها وتحقيق أرباح طائلة.
أخيرًا، تلمح تقارير “الشؤون العامة” إلى شبهات فساد تتعلق بريع سندات التزود بالمحروقات، حيث يجري توزيعها على مستشارين غير مستحقين، مما يتسبب في هدر كبير للميزانيات. كما ترصد التقارير استغلال هذه “البونات” في إطار المحاباة السياسية والانتخابية، وسط غموض يكتنف سجلات “الكازوال” وتزايد وتيرة استعمال سندات طلب غير مبررة.
إزاء هذه المعطيات، يبقى التساؤل مطروحًا حول مدى جدية الجهات الرقابية في تتبع هذه الممارسات وكشف ملابساتها، وضمان نزاهة العملية الانتخابية المقبلة، وحماية المال العام من أي استغلال أو تبديد. فالشفافية والمساءلة تظلان الضمانتين الأساسيتين لتدبير رشيد للشأن المحلي وثقة المواطنين في مؤسساتهم المنتخبة.