في صميم أي نظام ديمقراطي سليم، يكمن مبدأ الشفافية، وهو حجر الزاوية الذي تقوم عليه مساءلة المؤسسات وتعزيز ثقة المواطنين في حكمهم. وأحد أهم تجليات هذا المبدأ هو الحق في الحصول على المعلومات، وهو حق يكفله الدستور المغربي والقوانين ذات الصلة، لكنه يبقى للأسف حقًا مهجورًا، غائبًا عن وعي الكثير من المغاربة.
إن الحق في الحصول على المعلومات ليس مجرد امتياز تمنحه الدولة، بل هو حق أساسي يُمكّن المواطن من فهم القرارات التي تؤثر في حياته اليومية، والمشاركة بفعالية في الشأن العام، ومراقبة أداء المؤسسات المنتخبة والمعينة. هذا الحق يتيح للمواطن الولوج إلى الوثائق والبيانات التي تحتفظ بها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، باستثناء ما يتعلق بالأمن القومي أو الحياة الخاصة للأفراد.
لكن الواقع المرير يكشف عن فجوة واسعة بين النص القانوني والوعي المجتمعي بهذا الحق. فالكثير من المغاربة يجهلون وجود هذا الحق أصلاً، أو يترددون في المطالبة به خوفًا من التعقيدات الإدارية أو من ردة فعل محتملة من الجهات المعنية. هذا الجهل والتردد يساهمان في إبقاء أبواب المعلومة موصدة، ويعززان ثقافة التعتيم التي تغذي بدورها الفساد وسوء التدبير.
إن لغياب الوعي بأهمية الحق في الحصول على المعلومات تداعيات سلبية جمة على المجتمع. فهو يضعف قدرة المواطنين على مساءلة المسؤولين عن أدائهم، ويحد من فرص المشاركة المدنية الفعالة في صنع القرار. كما أنه يعيق جهود مكافحة الفساد، حيث يصعب كشف التجاوزات والممارسات المشبوهة في ظل غياب الشفافية وتداول المعلومات.
إن تفعيل هذا الحق وتمكين المواطنين من ممارسته يتطلب تضافر جهود مختلف الفاعلين. على عاتق الدولة تقع مسؤولية تبسيط إجراءات الحصول على المعلومات، وتوفير آليات واضحة وفعالة لتقديم الطلبات وتلقي الردود في آجال معقولة. كما يجب عليها تكثيف حملات التوعية والتحسيس بأهمية هذا الحق وكيفية ممارسته، عبر مختلف الوسائل الإعلامية والتعليمية.
أما المجتمع المدني، فيلعب دورًا محوريًا في نشر ثقافة الحق في الحصول على المعلومات، وتوعية المواطنين بأهميته، وتقديم الدعم والمساعدة لمن يرغب في المطالبة به. كما يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تساهم في رصد حالات حجب المعلومات غير المبرر، والضغط من أجل تطبيق القانون بشكل كامل وفعال.
إن الحق في الحصول على المعلومات ليس ترفًا أو مطلبًا ثانويًا، بل هو ضرورة حتمية لبناء مغرب ديمقراطي وحديث، مغرب يسوده القانون وتُحترم فيه حقوق المواطنين. وتجاوز حالة الجهل بهذا الحق والانتقال إلى مرحلة الوعي والممارسة الفعلية يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وجهودًا متواصلة من جميع الأطراف المعنية، من أجل ترسيخ الشفافية كمبدأ أساسي في عمل المؤسسات وحياة المواطنين. وعندما يصبح الحق في الحصول على المعلومات ثقافة راسخة، سيتحول من مجرد نص قانوني إلى أداة قوية في يد المواطن للمساهمة في بناء مستقبل أفضل لوطنه.