تُمثل مدينة القليعة، الواقعة في جهة سوس ماسة بإقليم إنزكان أيت ملول، نموذجًا حيًا للتوسع الحضري السريع وما يرافقه من تحديات جمة. فمنذ تأسيسها كجماعة حضرية عام 2008، شهدت المدينة نموًا سكانيًا ملحوظًا، حيث يُقدَّر عدد سكانها بحوالي 107,000 نسمة وفق إحصائيات 2024. ورغم قربها من أكادير (حوالي 25 كيلومترًا)، إلا أن القليعة تواجه صعوبات هيكلية في البنية التحتية والخدمات الأساسية، خاصةً في مجالي الأمن والتطهير السائل، ما يستدعي تضافر الجهود لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
النمو العمراني السريع وتحديات التنمية:
أدى استقطاب القليعة لأعداد كبيرة من اليد العاملة في القطاعين الزراعي والصناعي إلى نمو عمراني سريع اتسم في كثير من الأحيان بالعشوائية. نتج عن ذلك ظهور أحياء غير مُخطَّطة تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية، كالصرف الصحي وشبكات المياه والطرق المعبدة والإنارة العمومية والمساحات الخضراء. ورغم انطلاق بعض المشاريع الهامة، كمشاريع تطوير الطرق وتحسين البنية التحتية المُموَّلة بميزانية تُقدَّر بملياري سنتيم، إلا أنها لم تُثمر بالشكل المرجو في حل المشاكل القائمة ولم تُواكب حجم التوسع العمراني السريع، ما يجعل المدينة بحاجة إلى جهود مضاعفة لتحقيق التنمية المنشودة.
الأمن: تحدٍّ مُلح يتطلب حلولًا جذرية:
يُعتبر الوضع الأمني في القليعة من أبرز التحديات التي تواجه المدينة. يُعاني جهاز الدرك الملكي من ضغط كبير نتيجة النقص في الموارد البشرية، حيث يُقدَّر عدد الدركيين بنسبة غير كافية مقارنة بعدد السكان (دركي واحد لكل 8,000 نسمة وفقًا للتقديرات). هذا النقص يؤثر سلبًا على قدرة الجهاز على توفير الأمن الشامل والفعال. كما يُفاقم تأخر إنشاء مفوضية للأمن الوطني من الوضع، ما يُجبر السكان على الاعتماد بشكل كبير على مركز الدرك الملكي الذي يواجه محدودية الإمكانيات.
العوامل المُساهمة في انتشار الجريمة:
يُعزى انتشار الجريمة في القليعة إلى تداخل مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، من بينها:
الفقر والبطالة: يُساهم ارتفاع معدلات البطالة، خاصةً بين الشباب، في دفع البعض نحو الانخراط في أنشطة غير قانونية.
التوسع الحضري غير المُهيكل: ساهمت الهجرة من المناطق القروية المجاورة في زيادة الضغط على المدينة، وظهور أحياء هامشية تفتقر إلى أبسط مقومات العيش الكريم.
انتشار المخدرات: يُشكل موقع القليعة نقطة عبور محتملة لبعض أنواع المخدرات، ما يُؤدّي إلى تفشي الإدمان وما يرتبط به من جرائم.
نقص المرافق الشبابية: يُؤدّي نقص المرافق الرياضية والثقافية والترفيهية إلى تفريغ طاقات الشباب بشكل سلبي، ما يجعلهم عرضة للانحراف.
جهود التنمية وآمال المستقبل:
يُمثل تنصيب إسماعيل أبو الحقوق كعامل لإقليم إنزكان أيت ملول، وانتخاب محمد بكيز رئيسًا لجماعة القليعة، فرصة جديدة لتحقيق نقلة نوعية في مسار المدينة التنموي. وقد تم وضع برامج عمل تهدف إلى تحسين جودة الحياة من خلال إطلاق مشاريع تُعالج المشاكل الهيكلية في البنية التحتية والخدمات الأساسية، مع التركيز على التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى.
مطالب السكان وتطلعاتهم:
يُطالب سكان القليعة بتعزيز الأمن من خلال الإسراع في إنشاء مفوضية للأمن الوطني، وتوفير موارد إضافية لجهاز الدرك الملكي. كما يُشدّدون على ضرورة تسريع وتيرة إنجاز المشاريع التنموية، وتوفير فرص عمل حقيقية للشباب، وتحسين الخدمات الاجتماعية والصحية.
تواجه مدينة القليعة تحديات كبيرة ناتجة عن النمو الحضري السريع، لكنها تحمل أيضًا فرصًا واعدة للتنمية. يتطلب تجاوز هذه التحديات تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، من سلطات محلية ومنتخبة ومجتمع مدني، من أجل وضع رؤية استراتيجية شاملة تُحقّق تنمية مستدامة وشاملة تُلبّي تطلعات السكان وتُساهم في بناء مستقبل أفضل للمدينة.
A.Bout