ظاهرة العزوف عن الزواج هي عبارة عن انخفاض معدلات الزواج في بعض المجتمعات، وقد تتسبب في ذلك عدة عوامل. يمكن أن تؤدي التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية إلى تغيير مفهوم الزواج في المجتمعات المعاصرة، وهذا يؤثر على قرارات الأفراد بشأن الزواج.
على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي التغيير في مفهوم العمل والمسؤوليات المهنية إلى تأخير الزواج، حيث يقوم الشباب بالتركيز على تحقيق النجاح المهني أولاً قبل الزواج. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤثر ارتفاع تكاليف الحياة والإسكان وتكاليف التعليم والرعاية الصحية على موعد الزواج وقرارات الأفراد بشأنه.
علاوة على ذلك، قد تؤثر التحولات الثقافية والاجتماعية على قرارات الأفراد بشأن الزواج، حيث يمكن أن يؤدي الزيادة في قدرات المرأة والتحولات في مفهوم الجندر إلى تحول قرارات الأفراد بشأن الزواج والعائلة.
من الجدير بالذكر أن هذه الظاهرة تختلف من مجتمع لآخر، ولا يمكن الجزم بأنها تحدث في جميع المجتمعات. كما أن هناك أيضًا أسباب أخرى قد تؤدي إلى ظاهرة الحزوف عن الزواج في المجتمعات المعاصرة.
“القفص الذهبي” لم يعد مغرياً للشباب في المغرب
أولويات الوجود الاجتماعي
يعلق أستاذ علم الاجتماع بجامعة “أكادير” زهير البحيري على هذا الموضوع بأن تأخر الزواج عند المغاربة يشكل مظهراً من مظاهر التغيرات الاجتماعية والقيمية التي يعيشها المجتمع، التي اتخذت من خلالها الظاهرة منحى تصاعدياً في العقود الأخيرة.
وأضاف البحيري،بأنه يمكن تفسير تأخر الزواج الأول عند الجنسين برغبتهم في مواصلة التعلم والدراسة ما بعد سن 18، وهو سبب أساس يدفع هؤلاء الشباب إلى البحث عن السبل التي تحسن تموقعهم الاجتماعي عبر الحصول على شهادات عليا، والبحث بعد ذلك عن وظيفة”.
وأوضح أن الحصول على وظيفة يدفع كثيراً من هؤلاء الشباب إلى تغيير أولويات الوجود الاجتماعي، أولاً عبر ضمان الاستقرار المهني، وثانياً من خلال تخصيص السنوات الأولى لمساعدة الأسر، أو عيش الحرية الاجتماعية بالشكل الذي تسمه “الحياة المعولمة”، من خلال السفر مع الأصدقاء واكتشاف معالم جديدة.
وأشار البحيري إلى أن “هذه الظاهرة ترتبط بأسباب وعوامل موضوعية أخرى، تكمن في ارتفاع معدلات البطالة والهشاشة التي يعانيها الشباب، حيث يبلغ معدل البطالة لسنة 2021 بالنسبة إلى الأفراد المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة 31.8 في المئة، و19.6 في المئة للأشخاص ما بين السن 25 و34 سنة”.
ولفت إلى أن “ارتفاع تكاليف العيش ومعدلات التضخم هي عوامل ترجح تأخير معدل الزواج الأول عند الشباب المغاربة، لا سيما مع الصعوبات الكبرى التي يواجهونها في الحصول على سكن خاص بهم”، مبرزاً أن “هذا الأمر يعد مسألة أساسية في تحديد سن الزواج الأول، خصوصاً أن الشباب يميلون أكثر للعيش في استقلالية وحرية أكبر”.
العلاقات “الرضائية”
وأشار زهير البحيري إلى عامل آخر يشكل سبباً عميقاً في تأخر سن الزواج الأول عند المغاربة رجالاً ونساءً، ويتمثل في الانتشار المتزايد للعلاقات الجنسية “الرضائية” (أي التي تتم برضا الطرفين) في المجتمع المغربي.
واعتبر المحلل أن “سيادة الواقع الافتراضي وتعاظم وسائط التواصل الاجتماعي تجعل من الشباب ذكوراً وإناثاً يؤسسون لعلاقات اجتماعية ويعيشون عالماً اجتماعياً خاصاً بهم بعيداً مما هو مشترك تضبطه مختلف المؤسسات الاجتماعية”.
وذهب البحيري إلى أن “تأثير الحالات السلبية للزواج وارتفاع معدلات الطلاق يعد بدوره عاملاً مهماً يدفع كثيراً من الشباب إلى تأخير سن الزواج، الذي تزداد صعوبة اتخاذ قراره كلما تقدم الإنسان في السن”.
وأكمل المتحدث أن “الزواج الآن لم يعد بمرجعية دينية بالنسبة لكثير من الأفراد، بقدر ما أضحى فعلاً عقلانياً الغاية منه تأسيس مؤسسة للتعاون والتغلب على الصعوبات المختلفة التي تطرحها الحياة المعاصرة، خصوصاً في المدن والمجالات الحضرية الكبرى”.