في خطوة تعكس توجهًا متصاعدًا لتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، كشفت مصادر مطلعة أن عددًا من عمال الأقاليم بجهات الدار البيضاء-سطات ومراكش-آسفي وفاس-مكناس، من بينهم مسؤولون ترابيون جدد، طالبوا مصالحهم الإدارية بإعداد تقارير دقيقة حول وضعية مستشارين جماعيين يشتبه في ارتكابهم خروقات قانونية تتعلق بتضارب المصالح، في مخالفة صريحة للقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، ولدورية وزارة الداخلية رقم D1854.
وأوضحت المصادر أن السلطات الإدارية توصلت بتقارير أولية تضمنت معطيات وصفت بـ”الخطيرة”، تشير إلى تجاوزات واضحة ارتكبها منتخبون محليون، من بينهم رؤساء ومستشارون، تم إشعارهم فعليًا أو ينتظر إشعارهم بمخالفات قانونية تمهيدًا لتفعيل مساطر العزل والمتابعة وفق ما ينص عليه القانون.
إقليما برشيد ومديونة تحت المجهر
وأكدت ذات المصادر أن النسبة الأكبر من حالات تضارب المصالح المسجلة تتركز بجهة الدار البيضاء-سطات، وتحديدًا في إقليمي برشيد ومديونة، حيث يرتقب أن يشهد عدد من الجماعات الترابية تحقيقات إدارية معمقة، أبرزها جماعة ضواحي حد السوالم، التي عرفت تورط مستشار جماعي ضمن مكتب جمعية للنقل المدرسي في توقيع اتفاقية شراكة وتمويل مع جماعته، تمت المصادقة عليها في دورة جماعية سابقة، في خرق مباشر لمقتضيات المادة 65 من القانون التنظيمي.
وفي جماعة الدروة، يُنتظر أن تتم مراسلة مستشار جماعي يكتري محلًا تجاريًا بالمركب الجماعي، رغم عضويته بالمجلس، فيما كشفت نفس المصادر عن تورط زوجة مستشار آخر، محسوب على الأغلبية، في شبهة تضارب مصالح، بصفتها أمينة مال لجمعية تستفيد من اتفاقية نقل مدرسي، وتضم شقيقتها كرئيسة لها، مع استغلال مرفق جماعي ضمن مشروع المسيرة، ما يثير تساؤلات قانونية حول ازدواجية الصفة والتداخل المصلحي.
شبكات عائلية وجمعيات واجهة للاستفادة
التقارير المرفوعة إلى العمال رصدت أيضًا حالات مشابهة على مستوى جماعات متعددة، تشير إلى تورط أقارب وأصهار منتخبين في مكاتب جمعيات مدعومة من الجماعات، تستفيد من حافلات نقل مدرسي وآليات ممولة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أو بدعم من المجالس الإقليمية.
ومن بين الحالات المثيرة، حالة مستشار بجماعة برشيد، تربطه علاقة مع هيئة مدنية في مجال الوقاية والإسعاف، استفادت من سيارات إسعاف ومركبات نفعية مدعمة، ويُعتقد أنه يتلقى غطاءً سياسياً من برلماني بمجلس المستشارين، ويستعد لتغيير انتمائه الحزبي في أفق الاستحقاقات المقبلة، ما يعكس بُعدًا سياسيًا لبعض هذه الملفات.
كما سجلت نفس التقارير استمرار مستشارين في حيازة محلات تجارية جماعية كانوا قد اكتروا قبل دخولهم للمجالس المنتخبة، دون تسوية وضعيتهم القانونية، في تجاهل تام لمقتضيات القانون.
تعليمات وزارية مشددة… والعزل على الأبواب
تأتي هذه الخطوة في سياق تنفيذ تعليمات وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، الذي سبق أن وجه مراسلة إلى الولاة والعمال، شدد فيها على تفعيل مسطرة العزل في حق المنتخبين المتورطين في حالات تضارب مصالح، تفعيلاً لمقتضيات المادة 65 من القانون التنظيمي 113.14، التي تمنع على أي عضو ربط مصالح مع جماعته أو مؤسسات التعاون أو الشركات أو الجمعيات التي يتولى فيها مسؤولية.
وتنص المادة المذكورة بوضوح على منع المنتخبين من إبرام عقود أو صفقات أو شراكات أو حتى ممارسة أنشطة بصفات متعددة قد تؤدي إلى تنازع المصالح، سواء لفائدتهم الشخصية أو لفائدة أصولهم وفروعهم وزوجاتهم.
نحو زلزال جماعي إداري؟
المعطيات الواردة من مختلف الجهات، تؤشر على إمكانية حدوث “زلزال إداري” محلي، قد يعصف بعدد من المنتخبين، ويعيد رسم خريطة الثقة داخل المجالس الجماعية، في ظل تصاعد المطالب الشعبية بتطهير المجالس من المستفيدين غير المشروعين، وفرض احترام القانون كشرط أساسي لتحقيق التنمية المحلية.
وفي انتظار نتائج التحقيقات الإدارية التي تباشرها السلطات الترابية، يُنتظر أن تتحول هذه الخطوة إلى منعطف حاسم في ضبط تدبير الشأن العام المحلي، ومواجهة الاستغلال السياسي والانتخابي للمؤسسات الجمعوية والمرافق الجماعية.