آيت اعميرة تحت المجهر: اتهامات متبادلة وتحديات تنموية مزمنة في انتظار تدخل حاسم

تشهد جماعة آيت اعميرة، التابعة لإقليم اشتوكة آيت باها، موجة جديدة من الجدل السياسي والإعلامي بعد سلسلة تصريحات متبادلة بين عدد من الفاعلين السياسيين، أظهرت عمق الأزمة التنموية والاجتماعية التي تتخبط فيها المنطقة منذ سنوات، وكشفت حجم التراكمات التي أثقلت كاهل الجماعة، وجعلتها واحدة من أكثر المناطق تأزمًا على مستوى سوس ماسة.

في تصريح مثير للجدل، وصف رشيد آيت الساغ، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، الجماعة بـ”خزان للأزمات الاجتماعية والبيئية والصحية”، منتقدًا ما سماه بـ”عقود من الفساد وسوء التسيير والجمود الإداري”، محملاً المجلس الجماعي الحالي مسؤولية “الغياب التام للإرادة السياسية في التغيير”.

هذا التصريح لم يمر مرور الكرام، إذ رد عليه علي البرهيشي، رئيس المجلس الجماعي، برد عنيف، لم ينكر فيه الأوضاع المزرية، لكنه سارع إلى تحميل المسؤولية للمجالس السابقة، وبالأخص تلك التي ترأسها الحزب الاشتراكي الموحد بين سنتي 1997 و2015، معتبرًا أنها هي من “أغرقت الجماعة في تناقضات تنموية خطيرة”.

قرية الفوضى البيئية والمأزق العقاري
في مقاله المنشور بعنوان “قرية آيت اعميرة… منطقة فلاحية خصبة تغرق في التناقضات”, تحدث آيت الساغ بلغة لاذعة عن “أوضاع كارثية” تعيشها الجماعة، لخصها في فوضى الأسواق، واختناق الوضع العقاري بسبب أراضي الجموع، وانتشار الأحياء العشوائية، والتدهور البيئي الناجم عن الحفر الصحية المكشوفة في دواوير كدوار العرب ودوار حمر، مشيرًا إلى أنها أصبحت مصدرًا للروائح الكريهة ومصدر خطر على صحة السكان والفرشة المائية.

كما أبرز “هشاشة البنية التحتية”، مشيرًا إلى غياب طرق معبدة، مشاريع متوقفة منذ سنوات، ونفايات تنتشر في مختلف الأحياء، في ظل ضعف في تدبير قطاع النظافة. ولم يسلم قطاعا الصحة والتعليم من نقده، حيث وصفهما بـ”المتهالكين”، في ظل وجود مركز صحي يتيم ومدارس مكتظة تفتقد لأبسط الشروط التربوية.

العنايت: التطهير السائل أولًا
بدوره، اعتبر حكيم العنايت، مستشار جماعي عن حزب الأصالة والمعاصرة، أن الجماعة تعاني من إكراهات مركبة، على رأسها تعثر مشروع التطهير السائل، الذي يشكل “القاعدة الأساسية لأي انطلاقة تنموية”. كما أبدى قلقه من أزمة الماء الشروب التي ازدادت حدّتها بسبب نضوب الفرشة المائية، داعيًا إلى تسريع الربط بمحطة تحلية مياه البحر بالدويرة، واصفًا المشروع بـ”الاستراتيجي والمنقذ”.

وفي ما يخص الوضع الأمني، أشار العنايت إلى “استفحال الجريمة”، مشيدًا بمجهودات الدرك رغم ضعف الإمكانيات، مطالبًا بتعزيز المركز بالموارد البشرية والوسائل التقنية.

البرهيشي: لا ننكر الكارثة… لكننا لم نصنعها
رئيس الجماعة، في رده على هذه الاتهامات، لم ينف أن آيت اعميرة “تعيش وضعًا كارثيًا”، لكنه اعتبر أن المجلس الحالي “ورث تراكمات ثقيلة من الفساد وسوء التسيير”، وأن معظم المشاكل المطروحة اليوم هي من نتاج فترات تسيير سابقة، خصوصًا المرحلة الممتدة من 1997 إلى 2015. وأكد أن الحفر التي أشار إليها آيت الساغ تم إنشاؤها خلال تسيير الحزب الاشتراكي الموحد، كما حمل المجالس السابقة مسؤولية تفشي البناء العشوائي، تدهور خدمات النظافة، وأزمة الماء.

البرهيشي شدد على أن الحل الجذري لأغلب الإشكالات يتوقف على إخراج مشروعي التطهير السائل وربط الجماعة بالماء الصالح للشرب، مؤكدًا أن المجلس يعمل بتنسيق مع السلطات الإقليمية على تفعيل المشروعين في المستقبل القريب. كما أعرب عن أمله في أن يحمل تعيين العامل الجديد محمد سالم الصبتي دفعة قوية لتسريع المشاريع العالقة.

أزمة ثقة… وأمل في الانفراج
ما يجري في آيت اعميرة ليس فقط صراعًا بين فاعلين سياسيين، بل هو تعبير عن أزمة ثقة عميقة بين الساكنة والمؤسسات المنتخبة. ورغم تبادل الاتهامات، تتفق جميع الأطراف على عمق الأزمة، وتُجمع على أن مفتاح الحل يكمن في تدبير محكم للماء، التطهير، والنظافة، مرفوق بإرادة سياسية صادقة لإعادة الاعتبار للجماعة.

وفي انتظار ذلك، تظل آيت اعميرة “نموذجًا مصغرًا لأعطاب التنمية المحلية”، ونقطة اختبار حقيقية لقدرة الدولة والمؤسسات المنتخبة على تجاوز المعضلات البنيوية، وبناء نموذج تنموي يعيد الثقة والكرامة لساكنة أرهقتها الفوضى والتهميش لعقود.

 

 

 

 

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬353

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *